بين ضفتي التفاؤل والأمل انطلقت سفينة المباحثات اليمنية ـ اليمنية شاقة رحلتها نحو الحل الذي بات من أمنيات الشعب اليمني، لإخراج اليمن من حالة الاحتراب الذي عصف بالدولة اليمنية وبمقدراتها ولايزال يدفع اليمنيون ثمنه باهظًا.
إن المباحثات اليمنية التي تستضيفها دولة الكويت مشكورة على جهودها الخيرة وعلى مواقفها الصادقة ـ التي تتكامل مع الجهود التي بذلتها ولاتزال تبذلها السلطنة منذ تفجر الحرب ـ تمثل فرصةً تاريخيةً ومواتيةً قد لا تتكرر. فرصة ـ دون شك ـ فهي بمثابة سفينة تحمل على متنها اليمن بجميع أطيافه ومكوناته، يتطلع الكثير من اليمنيين إلى أن تتمكن السفينة من تجاوز الأمواج العاتية حتى تصل إلى شاطئ الأمان، وهذا يتوقف على قدرة الأفرقاء على متنها على اختيار الطريق الأمثل والأصلح الذي يحفظ سفينة الوطن اليمني من الغرق الذي حينئذ سيأخذ معه الجميع دون استثناء. كما أن على الأمم المتحدة كموجِّه لسفينة مباحثات السلام أن تكون خير معين وموجِّه، وأن تبتعد عن الضغوطات؛ فما حصده ويحصده الشعب اليمني كافٍ وأكثر من الكثير، ولايزال يتجرع ويلات حرب دامية أكلت الأخضر واليابس، ويعيش خلالها مرارةً وغصةً غير مسبوقة.
هذه المباحثات تمثل اليوم مخرجًا أوحد ولا سبيل إلى غيره كطريق ينقذ الشعب اليمني وبلاده من الدمار والخراب، وينتشله من الفقر والبؤس والأمراض، خاصة وأن منطق القوة أصبح شيئًا من الماضي، بل إن تجاربه أثبتت أنه خيار غير حكيم ولا يقدم حلولًا بقدر ما يجره من ويلات على الجميع، ولا يقتصر وجعه وكارثيته على الأطراف المتواجهة وإنما يتعدى ليشمل الكل، الأطراف المتنازعة والأطياف الأخرى من الشعب اليمني؛ ولذلك تظل المباحثات منصةً متقدمةً وأرضيةً صلبةً يمكن أن يقف عليها جميع الأفرقاء اليمنيين المتواجهين، إذا ما توافرت لدى جميعهم الحكمة والموضوعية والعقلانية والتسليم بأن اليمن لليمنيين كلهم، ولا يخص أحدًا دون غيرهم، وأن الحلول الجريئة والشجاعة والبنَّاءة لصالح الوطن تنبع من العقيدة الوطنية والانتماء والولاء للوطن، وبتقديم مصلحة الوطن على المصالح الذاتية الضيقة التي لا تراكم إلا الويلات والفرقة والشحناء والتشتت، بل إن المصالح الذاتية الضيقة لايزال تاريخ الصراعات في المنطقة وخارجها يوالي تقديم البراهين والأدلة الثابتة على أنها باب للتدخلات الخارجية المبنية على الأطماع، إذ لا يعقل أن يكون المتدخل في الشأن الداخلي أن يكون أكثر دراية بما يصلح شأن الشعوب ويحقق استقرار أوطانها ورخاءها وأمنها وأمانها، من الشعوب ذاتها التي هي الأخبر والأدرى بما يحفظ أوطانها ويصون سيادتها واستقلالها، ويحقق العدل والمساواة بينها ويجعلها جميعًا تنعم بمظاهر الاستقرار والتقدم والنماء تحت مظلة الأوطان القائمة على سواعد أبنائها وعقولهم وأفكارهم.
قد يكون الصراع عميقًا بحكم الظروف الإقليمية والدولية والتدخلات الخارجية، لكن هذا لا ينبغي أن يكون حاكمًا لمسار المباحثات بما يهدد استمرارها ويؤدي إلى فشلها، وبات على المتحاورين تفويت الفرص على الآخرين والمتدخلين، والانتصار على ذواتهم لصالح وطنهم وشعبهم.