[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
(الثور لو وقع تكثر سكاكينه) ... ذلك مثل في أفريقيا جنوب الصحراء ، يتم الاستشهاد به في حال من تتكالب عليه المصائب في وقت واحد، خصوصا عندما يصاب المرء بكبوة تضعفه ليجد أعداؤه الفرصة فيه وينكبوا عليه حتى تخور قواه. وفي السياق نفسه وبنفس المعنى يطلق الحداثيون مثلا آخر على نفس الموقف وهو (الكلاب تنهش الثور الذبيح وأصحابه على غفلة من أمرهم).
كلاهما ينطبقان على حال الجولان السوري، الذي انبرى بشأنه الأحد الماضي رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نيتنياهو بتصريحه بأن اسرائيل لن تترك هضبة الجولان وهي باقية فيها وستبقى للأبد، وكان ذلك في بداية جلسة اسبوعية عقدتها الحكومة الإسرائيلية في الجولان المحتل في نفس اليوم، مؤكداً على أن إسرائيل تسيطر على الهضبة منذ تسعة وأربعين عاما، وهي اشارة منه إلى تاريخ احتلال اسرائيل لهضبة الجولان في حرب 1967.
لقد ظلت الجولان صامدة مسنودة بحالة الاستقرار السياسي في سوريا وببعض حالة التعاضد العربي والتفافه حول قضايا الصراع العربي الإسرائيلي كالجولان والقدس طيلة سنوات المواجهة في ظل احتدام الصراع ولو إعلاميا، في حين ظلت اسرائيل طيلة التسع والأربعين سنة الماضية تنظر الى الجولان على أنها موقع استراتيجي كاشفا من حيث الحسابات العسكرية لبعض مدنها ومواقع سيطرتها التي تقع على مرمى حجر من الجولان، وذلك رغم أن الجولان لا تبعد اكثر من خمسين كيلومترا عن ريف دمشق العاصمة السورية، فضلا عن انها تطل على بحيرة طبرية وعلى مرج الحولة في الجليل.
ولم تتوان اسرائيل عن محاولات تهويد الهضبة وتحويل انتماء سكانها الاصليين من العلويين والدروز الا انهم صمدوا ورفضوا التجنيس متمسكين بوطنيتهم وانتمائهم الى وطنهم الام سوريا، حيث اكتفت اسرائيل بمنحم اقامة دائمة، غير انها عمدت على تغيير التركيبة الديموجرافية للمنطقة باقامة المستوطنات الاسرائيلية فيها.
ورغم اشتداد الصراع العربي الاسرائيلي طيلة الفترات الماضية، فلم تيأس إسرائيل من محاولات اضفاء الشرعية على احتلالها للجولان، فلجأت الى حيلة اختبار موقف المجتمع الدولي في عام 1981، فتجرأ الكنيست الاسرائيلي في ذلك الوقت بصياغة ما يسمى بقانون الجولان الذي تم بموجبه تطبيق القوانين الادارية الاسرائيلية والقضائية في الجولان المحتل، الا ان مجلس الأمن الدولي اصدر قراراً في نفس السنة 1981 بالرقم 497 رافضا فيه الاعتراف بالقرار والقانون الإسرائيلي بشأن الجولان.

اما حاليا وفي ظل الصراع الدامي الجاري في سوريا وانشغال الجبهة الداخلية السورية، وفي ظل تغيير موازين القوى في المنطقة العربية، وتراجع هيبة المؤسسات الدولية كمجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية التي انشغلت بالكثير من القضايا الانصرافية التي جذرت انفراط عقد الامة العربية، يبدو ان اسرائيل ارتأت مرة أخرى اختبار المجتمع الدولي، مستفيدة في ذلك من حالة ضعف المنطقة العربية، ومن تراجع اهتمام الشارع العربي بالقضايا الاممية، وانشغال الشعوب العربية بمشاكلها الداخلية التي وصل بعضها الى مستوى الالتهاء بقضايا لقمة العيش اليومية، فأصبحت الساحة مهيأة لإسرائيل لتعربد فيها كما تشاء ولتقوم بما اقدمت عليه الاحد الماضي لتعلن تأكيدها على عدم نيتها الخروج من الجولان.

إن الاعلان عن هذا التأكيد الاسرائيلي وفي هذا التوقيت المتلازم مع حالة تباين اهتمام الشعوب العربية، يؤكد حقا بأن الساحة مهيأة اكثر لتلعب فيها اسرائيل كما تريد، وذلك في وقت خارت فيه قوة الشكيمة العربية وسقطت كالثور الذبيح لتنهش فيها كلاب الاحتلال في ساحة الجولان السوري الجريح بينما الشعب العربي في غفلة من أمره.■