[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
أعرف أن الكلمة ثقيلة على المرء، فكيف من يعايش الموت والتهديد كل ساعة ومن فقد الأمل ومن يتطلع حوله فلا يرى سوى الخراب .. لكنهم الصابرون، ما ملوا كل هذا ولا تراجعوا على التمسك بأهداب الكلمة السحرية الصبر، حتى كأنهم اذا ما سئلوا عن سبب صبرهم أجابوا بأنهم لايعرفون، سوى أن الكلمة تحولت الى حكمة لحياتهم .. بل باتوا يبذلون طاقاتهم بتصنيع المزيد منه ادخارا منه للمستقبل.
عندما لا يتعرض أي مكان إلى عمليات عسكرية فإن أناسه يعيشون كما لو أن الحرب بعيدة ، لكنهم يأكلون الصبر ويشربونه حساء على مدار الساعة. وماذا يفعل من لايقدرعلى تغيير حاله ولا أحوال بلده سوى أن يحلم بأوقات هادئة .. ومن أين يأتي الهدوء على عاقل فاز بالصبر سنوات وعليه ان يتحمله زمنا آخر غير معروف النهايات.
الصابر المنتظر الذي يلفه فراغ هو أكثر من تتآكل نفسه كونه يشعر بالعجز عن القيام بأية مهمة .. لكن أبناء المؤسسات العسكرية المدافعة عن بلدها وشعوبها، هم الفائزون بتجاوز تلك الكلمة التي لايعترفون بها، بل لايرغبون سماعها كونها ثقيلة على نشاطهم وممارساتهم الهادفة. اطلاق الرصاص مثلا يكسر حاجز الوقت بما يتداخل فيه من هجوم وتراجع ومناورة، وجميع هذا الأشكال لاتقتل الصبر في نفوس الجنود بل تطحن كل مشتقاته.
المقاتل الجندي على الجبهات أكثر المرتاحين من هموم الانتظار الممل .. خصوصا وأن كثرة الانتظار وطول إقامته تأخذ الى التعب النفسي .. القتال يفرغ شحنة الخوف من الآتي ، عندما يوضع الانسان في المعركة يتحول الى قوة كاملة جسديا ونفسيا وعصبيا .. وحده المقاتل من لا يحب كلمة الصبر ولا يراها مشروعا في قاموسه، فهو بالتالي أكثر ارتياحا من الشعب الجالس الذي يرمق الحرب من بعيد او يتنسم أخبارها ويظل حائرا بين ما يسمع وما يحلم ، بين ما يأمل ويرفع عن روحه ألما لا يبرح منها.
لاشك أن المنتصر هو الأقدر على الصبر مهما تتالت عليه ظروف المعركة وآلمته الحرب .. والمنتصرون هم أولئك الذين نصروا قواهم العسكرية ورفدوها لما تحتاجه وصنعوا من صبرهم قوة داخل نفوسهم ومساحة أعمال تغني صبرهم. كل متأمل عليه ألا يعيش أمله وسط فراغ .. الصانع سيظل يصنع، والفنان ستبقى أدواته متحركة، بل ربما هي فرصة ابداعه التي لا تتكرر .. والزارع عليه أن ينهض الى ارضه ليقدم لها أكثر مما كان يقدمه في السلم كي تعطيه ضعف ما كانت تنتج ، والطالب عليه ان يقوى على الوقت فيطحن دروسه و يعجنها كي ينتهي بسرعة من دراسته، ومثلما حمل سلاح علمه من أجل بلاده، عليه ان يضع البندقية على كتفه من أجلها، فهي استحقاقه المنتظر.
تصنيع الصبر حالتنا جميعا، العربي البعيد عن المعركة الذي يصعب عليه ما يرى وما يسمع ولا يشارك الا بالكلمات التي تفرضها تطورات المعركة الجارية، وهي معركة تخصه لأنها دفاع عن أمانه المستقبلي وعن أجياله القادمة، خصوصا أولئك الوحدويين العروبيين مثلنا الذين يعتبرون الجسد العربي واحدا اذا تألم عضو اشتكتإليه بقية الأعضاء. لكن وياللأسف، لعلنا فقدنا هذه النظرة بعدما فقدنا لاحساس بانتمائنا الواحد ولم يترك لنا ما تعرضنا من عدوان علينا سوى احتقار الذات.