تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة التي استبعد فيها نشر قوات برية أميركية في سوريا لاتنفي التدخل الأميركي العدواني المباشر في سوريا، بقدر ما أنها تدليل على حرص أوباما على عدم الانزلاق العسكري بشكل مكثف ومباشر، وهو انزلاق قد يكلفها الكثير، مع الوضع في الاعتبار تأكيد القيادة السورية إن أية قوات أجنبية تدخل سوريا بدون موافقتها سوف يتم التصدي لها بالقوة باعتبارها قوة غازية، خصوصا مع كم السوابق التي اثبتت نية واشنطن وحلفائها في تدمير الجيش العربي السوري، وترك سوريا رهينة صراع جماعات ارهابية تضمن البقاء لدولة الاحتلال الاسرائيلي، كما تعرف واشنطن جيدا أن دخول قوات برية الى سوريا يضعها في التماس مع روسيا، وهي مخاطرة تعي اميركا أضرارها جيدا، وذلك مع تأكيد الحرص الروسي على حماية سوريا ووحدتها.
وبرغم هذه النبرة الأوبامية التي قد تكون نتيجة وجود تفاهمات روسية أميركية بشأن الوضع السوري، على الأقل في حدها الأدنى، الا ان الشق الاخر من تصريحاته التي اكد فيها ان الحرب على داعش ستطول عن باقي مدته الرئاسية وأنه يسعى ببطء الى تقليص البيئة التي يعمل فيها داعش الارهابي، تفتح الباب للتشكك في نوايا واشنطن خصوصا والسوابق تؤكد أن أميركا دائما ما تدخل لاعطاء قبلة الحياة لداعش وأخواتها من الارهابيين، عبر الجسر الآمن للسلاح التي تسميه واشنطن بالمعارضة المسلحة المعتدلة، التي أثبتت التجارب أنها موصل جيد للسلاح للارهابيين.
فإذا كانت تصريحات أوباما قد وضحت المعلن بعدم القيام بغزو عسكري مباشر لسوريا، وألمحت لما يدور في الكواليس خصوصا مع الدول التي لا تزال تسعى لاسقاط الدولة السورية، حتى وإن كان ذلك بدعم إرهابي داعش والنصرة، إلا أنها أفصحت ايضا عن دور المحلل الذي تمارسه بعض من معارضة الخارج، الذين لا يزالون يرهنون مواقفهم بالقادم الآتي من الخارج لايصالهم الى أهدافهم في اسقاط الدولة السورية، وهي مواقف أشبه بمواقف المعارضة العراقية التي جاءت الى بغداد على الدبابة الأميركية، والتي اثبتت التجارب أن رهانها على الخارج هو ما أودى بالعراق الى ذلك المستنقع الذي غاصت فيه، حتى الآن، ولن تخرج منه الا بادراك العراقيين بقيمة المواطنة والوطن وعدم الارتهان الى الخارج، خصوصا وإن كان يسعى للتفريق والتمزيق لنسيج المجتمع والدولة.
إن تواصل تلك النغمات الأميركية ومن يتبعها ويتبع مخططاتها من حلفاء او يلحق بردائها من عملاء وارهابيين تسميهم واشنطن زورا معارضة معتدلة، هو السبب الحقيقي للمحنة التي يعيشها السوريون وما يتعرضون له من ارهاب في الداخل، وما يتعرض له اللاجئون السوريون في الخارج، خصوصا مع الطريقة غير الانسانية التي يتعامل بها المجتمع الدولي معهم والمتاجرة بمحنتهم من قبل أولئك الذين يتشدقون بالانسانية وأيديهم ملطخة بالدم السوري، ومع تمسك السوريين بتراب وطنهم وحرصهم على دولتهم واحدة موحدة وتمسكهم بنسيجهم الاجتماعي متماسكا، ورفضهم للتدخلات العدوانية الاجرامية السافرة من ناحية، واصرار المتآمرين وأدواتهم المحلية على تنفيذ مخططاتهم الإجرامية من ناحية أخرى سيظل أفق الحل السياسي مسدودا، وهذا ما بشر به أوباما حين أكد على عدم وجود أية حلول قريبة، لتواصل واشنطن قلب الحقائق، وتساوي بين من يحمي الأرض والعرض، ومن يدنسها، بموافقة إقليمية تهدف الى الهيمنة والسيطرة، ليصب ذلك في صالح دولة الاحتلال الإسرائيلي الذي يستغل الموقف ليلتهم الجولان، وسط تصريحات للأسف عربية تسمي المقاوم إرهابيا، والمرتهن للخارج المساوم على وطنه ثوريا.