[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
ظل وصول زعيم المعارضة بدولة جنوب السودان رياك مشار إلى عاصمة بلاده جوبا مثار جدل حتى صباح أمس الاثنين، وذلك بعد أن تم تأجيل طائرته لأكثر من مرة بسبب تحفظات حكومة جوبا على بعض الأسلحة التي يحملها مرافقوه والتي بينها قذائف صاروخية، وهي تحفظات تم الإعلان عنها على أنها عقبات لوجستية تعوق وصوله إلى بلاده.
وكان من بين تلك العقبات، ما أعلنه مشار بنفسه للصحفيين في أثيوبيا عن رفضه التقدم لحكومة جوبا لأخذ الاذن بالهبوط في مطارها وذلك باعتباره عائدا إلى (وطنه )- حسب تعبيره . وفيما أدى نجاح الوساطة الدولية إلى اقناع حكومة جوبا بالموافقة على اصطحاب الرجل وفريقه لتلك الأسلحة، إلا أن هذه العقبات اللوجستية كما سماها الإعلام، لابد أن تكون لها دلالات قد تلقي بظلالها على مستقبل السلام والاستقرار في الدولة الوليدة سلبا أو ايجابا.
ولا يخفى على أي مراقب للأحداث المتلاحقة في جنوب السودان بأن شعب أحدث دولة في العالم كان مستبشراً باتفاق السلام الذي سبق أن وقعه سلفاكير وحكومته مع زعيم المعارضة وخصمه السابق رياك مشار في العاصمة الأثيوبية اديس ابابا في أغسطس 2015 بعد حرب عامين كاملين، سببها اتهام سلفاكير لنائبه مشار بمحاولة الانقلاب عليه، حيث تسببت تلك الحرب في سقوط الآلاف من المدنيين وفرار أكثر من مليونين إلى معسكرات الأمم المتحدة ومئات الآلاف الى دول الجوار من بينها السودان والكونغو وغيرهما.
ولربما يعتبر ذلك الاستبشار امتدادا طبيعيا لحالة الأمل التي كان الجنوبيون متشبثون بها عند اليوم الأول من إعلان انفصالهم عن دولة السودان وإقامة دولتهم الجديدة في عام 2011 بموجب اتفاقية السلام الشاملة بين السودان والحركة الشعبية والجيش الشعبي لجنوب السودان في عام 2006 ، حيث أصر الجنوبيون في ذلك الوقت على اصطحاب جيشهم معهم عند عودتهم إلى الخرطوم بعد اتفاقية السلام الشاملة في إشارة واضحة إلى عدم توفر الثقة بين الشماليين والجنوبيين حينها.
وبالربط بين الموقفين، وهما موقف الجنوبيين عند بداية تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة بينهم والحكومة السودانية، وموقف زعيم المعارضة المسلحة في دولة جنوب السودان وحكومته عند بدء تنفيذ اتفاق أديس أبابا الأخير بين الجنوبيين أنفسهم ، تتضح بعض الدلالات التي أهمها عنصر انعدام الثقة الذي يبدو أنه أصبح صفة ملازمة لحالات الصراع بشأن قضايا جنوب السودان قبل وبعد الانفصال.
إن دلالة انعدام الثقة بين حكومة جوبا ومعارضيها يؤكدها إصرار ريك مشار على اصطحاب أسلحته الثقيلة وقاذفات الصواريخ لدرجة وصل فيها عدد الطائرات الحاملة للوفد - المفترض أنه وفد يضم سياسيين - وصل الى طائرتين.
وليس هذا فحسب ، بل ان الدلالة الأهم التي يمكن استنباطها من هذه الازمة ، هي ان مشكلة الجنوب التي كانت تشكل عبئا على السودان ولربما لم تزل حتى الآن بسبب تداعياتها المستمرة على اقتصاده حتى الآن ... بانها مشكلة مازالت قائمة ولم يتم في تقديري حلها حتى بالنسبة للجنوبيين الى اليوم ، وذلك على الرغم من انفصال الجنوب من السودان وإقامة دولته المستقلة .
المشكلة لم يتم حلها بالنسبة للجنوبيين على وجه الخصوص ، وذلك باعتبار ديمومة عنصر فقدان او انعدام الثقة الذي كان مسيطرا على المشكلة عندما كانت سودانية جنوبية ، ومازال العنصر نفسه اي (انعدام الثقة) مسيطراً على مفاصل المشكلة حتى بعد أن أصبحت جنوبية جنوبية بحتة . .. وهذا وبلاشك سيعوق من الاستفادة السريعة لشعب الجنوب من تحقيقهم لهدف تكوين دولة خاصة بهم ، ويقلل من فرص تمتعهم بالاستقرار في ظل تعمق القبلية بين مكونات الشعب في دولتهم .
لذلك يأمل كافة المراقبين في أن يعي شعب جنوب السودان بجميع مكوناته الديمجرافية بأهمية الالتفاف حول مفهوم (الدولة الوطنية) التي ينبغي ان يتناسى من أجلها الجميع خلافاتهم الفردية والقبلية والاثنية بهدف الوصول الى دولة عصرية قادرة على الاستفادة من مواردها وامكانياتها الطبيعية .