” .. مساعدة أوكرانيا في الوقوف في وجه موسكو الان في مصلحة الغرب بشكل كبير، ويمكن أن يجنبها كلفة مواجهة روسيا أكبر وأكثر قوة في المستقبل. وتعزيز الوضع العسكري لحلف شمال الأطلسي(الناتو) في المنطقة يمثل بداية، لكن ما نحتاج اليه بشكل اكبر من الغرب هو ان يفي بوعوده التي قطعها على نفسه بالفعل: الاستثمار في اوكرانيا الجديدة بوصفها نموذج حكم قوي بالنسبة لشرق أوروبا، أو بديل لديمقراطية السيادة الخيالية لبوتين.”

بعد عقود من السيطرة الأجنبية المتواصلة تقريبا، حققنا نحن الأوكرانيين الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي قبل 25 سنة وذلك في عام 1991. وفي عام 2005 وبعد انتخابات مزورة جاءت بفيكتور يانكوفيتش للسلطة، ساعدت ثورتنا البرتقالية في هزيمته. وفي شهر فبراير الماضي، أحيينا الذكرى السنوية الثانية لثورة الكرامة، عندما أطحنا بنظام حكم يانكوفيتش الاستبدادي للمرة الثانية. وبالنسبة للأوكرانيين، يبدو أن أوكرانيا الجديدة لم تظهر بعد، وأنها آتية لا محالة.
غير ان الزخم يمكن ان يتحول. فمرة بعد أخرى، يعبر بلدنا عن رغبته في الاندماج كلية مع الاتحاد الأوروبي. وللمرة الأولى، يمكن ان يحتاج الاتحاد الاوروبي لنا كما نحتاج نحن له. ونادرا ما كنا نشهد مثل هذا الأمر بالشكل الذي هو عليه الحال الآن، فالشعب يؤيد الاتحاد الأوروبي وهويته المشتركة، بدلا من احتقارها.
اليوم نحرز تقدما حيال الاندماج بمساعدة حلفائنا. فقد وعدت الولايات المتحدة بملياري دولار على الاقل في شكل ضمانات قروض ومساعدة مباشرة بحوالي 760 مليون دولار. وفي ديسمبر الماضي، أصدرت المفوضية الاوروبية تقريرا يشير إلى أن أوكرانيا قد لبت المعايير التي تسمح للأوكرانيين بالتنقل بدون تأشيرة في انحاء الاتحاد. وفي مطلع فبراير الماضي، كشفت وزارة الدفاع الاميركية عن خطة لزيادة الانتشار الدوري للاسلحة الثقيلة، والمصفحات والقوات بين بلدان الناتو في وسط وشرق اوروبا ـ وهي تمثل اشارة لروسيا بالتراجع. ومع ذلك فان تحقيق اوكرانيا جديدة ليس بالامر السهل. فقد ضمت روسيا اقليم القرم واحتلت جزء من شرق اوكرانيا، مخلفة ما يوصف بالصراع المتجمد الذي يمكن ان يعيد تسخين الدعاوي والمزايدات الروسية. وحتى في مواجهة ذلك، فان بعض من ساستنا أفضل في الجدال . وعلى الرغم من تغييراتنا المتسللة في القيادة، فليس لدينا الممارسة الكافية على صعيد الثقة المتبادلة للعمل معنا على بناء ديمقراطية.
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحترم الأحكام والقوانين الدولية ـ والحدود ـ عندما تكون مسايرة فقط لمصالحه. وليس لدينا اية اوهام بانه سوف يتغير.
غير ان ذلك لا يعني انه يجب على الغرب واوكرانيا التخلي عن رغبتهم في علاقات أوثق. فمساعدة اوكرانيا في الوقوف في وجه موسكو الان في مصلحة الغرب بشكل كبير، ويمكن أن يجنبها كلفة مواجهة روسيا اكبر واكثر قوة في المستقبل. وتعزيز الوضع العسكري لحلف شمال الاطلسي (الناتو) في المنطقة يمثل بداية، لكن ما نحتاج اليه بشكل اكبر من الغرب هو ان يفي بوعوده التي قطعها على نفسه بالفعل: الاستثمار في اوكرانيا الجديدة بوصفها نموذج حكم قوي بالنسبة لشرق أوروبا، او بديل لديمقراطية السيادة الخيالية لبوتين.
بالطبع، يتعين على الأوكرانيين ان يبرهنوا أنهم مستعدون للتحدي. في الماضي لم نفعل ذلك. وفي 2005، عاد الشعب الى حالة اللامبالاة بعد وقت قصير من اطاحة الثورة البرتقالية بيانكوفيتش. وعندما ثبت فساد وعجز النظام التالي، بات الشعب لا مباليا بشكل واضح.
غير ان الحركة التي ظهرت بعد احداث ميدان كييف ـ عندما رفض المحتجون المطالبون بالتغيير التفرق قبل سنتين ـ مثلت نقطة تحول. فعلى عكس 2005، فان منظمات المجتمع المدني انقذت يانكوفيتش من محاولة الاطاحة به الثانية. والان ثمة طاقة في بلدنا لم نشعر بها من قبل ـ رغبة وقدرة متزايدة للدفاع عن قيمنا الأساسية.
نعرف أنه يتعين علينا أولا بناء ديمقراطية عاملة. والحكومة قد حققت بالفعل تقدم، غير أن مجتمعنا المدني يطالب بخطوات أكثر حسما. والشبكات النشطة للمواطنين أصحاب العقلية المدنية تلعب دورا متزايدا في التخطيط والدفاع عن الاصلاحات ذات الأهمية الكبيرة في الادارة العامة والقضاء واللامركزية والمشتريات العامة والاستثمار وخلافه.
كما أن الديمقراطية تعني أيضا احتكار الحكومة لكل الوحدات المسلحة. ففي الوقت الذي لعبت فيه كتائب المتطوعين ذاتية التنظيم، بعضها ذات توجهات يمينية متطرفة، دورا محوريا في وقف تقدم روسيا وحلفائها الانفصاليين في الأزمة قبل سنتين، فان الوضع الطبيعي للدولة الفعالة هو ضمان الانصياع التام لتلك التجمعات للقيادة المركزية، وقد حققت الحكومة تقدما كبيرا في هذا المجال.
كما أن علينا ايضا توفير الحريات السياسية، على الرغم من استمرار الحرب بالوكالة في الشرق. ففي اجزاء من شرق اوكرانيا التي يسيطر عليها الان الانفصاليون، يتعين علينا ضمان الوصول التام للمسئولين الذين يراقبون وقف اطلاق النار؛ ونزع سلاح المنطقة؛ وانسحاب الجماعات المسلحة من قبل روسيا والأسلحة؛ وضمان سلامة كل الأفراد من كل الاتجاهات؛ واستعادة الحياة السياسية والمدنية الطبيعية بما في ذلك النشاط غير المقيد للأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية الاوكرانية. وعند ذلك فقط ، يمكننا المضي قدما الى الخطوة الأكثر أهمية وهي انتخابات حرة نزيهة تلبي المعايير الدولية. والأهم من ذلك، هو أنه يتعين علينا اقتلاع جذور الفساد في كل مكان. صحيح ان المكتب الوطني الجديد لمكافحة الفساد قائم بعمله، لكن هناك جهازا اخر يهدف الى منع الفساد وصراعات المصالح بين المسئولين لا يعمل بشكل كامل.
باختصار، اذا كنا نريد ان نصبح جزءا من الاتحاد الاوروبي، يتعين علينا ان نلتزم بمبادئه. بل وعلينا ايضا ان نضيف قيمة. فقد وفرت اوروبا واحدا من افضل نماذج الحكم كفاءة في التاريخ، ولاسيما في التخلص من ميراث العداوات، وبناء سلام مستدام وابتكار اقتصاد انتاجي بجانب نظام اجتماعي شامل. غير ان هذا النموذج يتم اختباره بقوة من خلال صعود القوميين المتطرفين الذين يغذيهم الى حد ما الخوف من الارهاب والشعور المعادي للمهاجرين. ونحن الترياق او العلاج لذلك. فاوروبا تحتاج لحيويتنا، بمجرد ما نستطيع تحقيقها وتوصيلها.
إن أوكرانيا الجديدة هي استعارة أو تعبير مجازي، لكنه يمثل شغفا جديدا بالحرية لكل المنطقة. واذا حققنا قليلا من التحسن كل سنة، فإننا سوف نمضي قدما. ويمكن أن يحذو الآخرون حذونا.

أوليكسندر سوشكو
مدير الأبحاث في معهد التعاون الأوروبي ـ الأطلسي.
خدمة نيويورك تايمز خاص بـ"الوطن"