المجتهد يجب أن يكون أميناً مُلمّاً باللغة والبلاغة والفقه والحديث والتراث وحافظاً للقرآن ما وجد فى كتب التراث هو (افتراضات) للعلماء وليس بالضرورة أن تتحقق فى الواقع

القاهرة ـ من محمد فتحي:
حذر علماء الأزهر الشريف من مخاطر التصدى لتجديد الخطاب الدينى دون علم، مؤكدين أن هناك معايير لابد من توافرها فى الشخص المجتهد الذى يدعو للتجديد فى أحكام الدين والشريعة لمواكبة تطورات العصر، وأنه حتى أفتى دون علم وأصاب يكون آثماً بينما يكون له أجران اذا توافرت فيه شروط الاجتهاد وأصاب فى فتواه، وله أجر واحد إن أخطاً.
الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر أكد أن تجديد الخطاب الدينى أصبح يتردد على ألسنة الاعلاميين ومن يسمون أنفسهم مثقفين وغيرهم ممن يرون أن التجديد يعنى إزاحة الماضى وترك القديم مطلقاً وعدم العناية بما انتجته عقول السابقين بداعى أن لنا عقولاً فى امكانها أن تأتى بما هو أنفع وأصح مما أتى به السابقون وهذا فى الحقيقة "خلط وخبط" وان دلّ فإنما يدل على سوء نية اصحابه وخبث طويتهم لأن هولاء لا يقدرون جهود السابقين الأوفر علماً حينما عكفوا على الكتاب والسنة بعقولهم المتزنة والمصونة فى صحيح النقل حتى يتبينوا ما يكون صالحاً لقضايا الناس ومصالحهم وما يستجد لهم من أحداث فى الدنيا.
وتابع: لسنا مع هؤلاء الذين يريدون ترك الماضى وعدم الأخذ بجهود السابقين، لان السابقين توافرت فيهم الشروط والمؤهلات التى جعلت كلا منهم يزن الامور بميزان الحق والعدل.
وأضاف: إنه يدرك أن التجديد سنة إلهية فى الكون بدليل بعثه المرسلين كل فترة بشرائع مختلفة، والنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ان الله تبارك وتعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها)، وفى رواية أخرى:(من يجدد لها أمر دينها) لكن التجديد الذى يريده (أدعياء الثقافة) يقصدون به طرح ما عندنا من تراث ونفض أيدينا منه واعمال عقولنا.
واشار قائلاً الى وجود خمسة شروط للمجددين متى توافر فيهم فمرحبا بهم لاعمال النظر فى كتاب الله وسنة رسوله الكريم واذا اختل شرط يكون الشخص غير مؤهل، وهذه الشروط هى:
أولاً: أن يكون المجتهد المجدد صحيح الاعتقاد وملازماً لسنة الدين ومن ثم لا يجوز لمبتدع او صاحب هوى ان يجدد فى شرع الله لانه غير مؤتمن.
ثانياً: أن يكون عالماً بلسان العرب فالقران الكريم نزل بلسان عربى مبين والنبى (صلى الله عليه وسلم) صاحب السنة هو من أوتى جوامع الكلم، فأحرى بمن يريد ان يجدد فى السنة ويستنبط منها الاحكام ويجدد فى احكام الشريعة بالنظر فى كتاب الله ان يكون ضليعا فى علوم اللغة لان علوم اللغة هى علم الوسائل والادوات التى تؤهل الناظر لتفهم الكتاب والسنة، واعنى بلسان العرب علم التصريف وعلم الاشتقاق وهو معرفة بنية الكلمة وعلم النحو ولذلك يقول الامام مالك:(لإن أوتى برجل يقول فى كتاب الله وفى سنة رسوله الكريم وليس عالما بلغة العرب الا أوجعته ضرباً) بمعنى اقامة الحد عليه لانه (مفتر) وسيدنا عمر بن الخطاب يقول:(عليكم بديوان العرب ـ والمقصود به الشعر والنثر وهو علم الأدب ـ فإن فيه تفسيراً لكتاب ربكم).
ثالثاً: ان يكون عالماً بعلوم البلاغة لأن علمه بها يمكنه من ابراز أوجه الاعجاز المتعلقة بنظم القرآن الكريم، فالقرآن كتاب الله المعجز الذى تحدى به الانس والجن، وقد قال فى كتابه الكريم:(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، فعندما نتقن علوم البلاغة من معان وبيان وبديع نعرف اعجاز القران الكريم.
رابعاً: ان يكون عالما بأصول الفقه وان لم يكن المجدد عالما بهذه الامور فالويل له ان تحدث بـ (قال الله .. وقال الرسول).
خامساً: ان يكون عالما بالحديث ومصطلحاته وان يكون عالما بالسيرة وان يكون عالماً باحوال البشر لانه اذا اردت ان تعرف محاسن الاسلام فلابد ان تعرف احوال العالم قبل الاسلام.
ويرى الدكتور محمد بهاء احمد مدرس الحديث بكلية الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة الأزهر ان الضوابط الاساسية التى يجب توافرها فيمن يتصدى للاجتهاد فى العلوم الشرعية تتمثل فى أن يكون المجتهد عالماً بقواعد اللغة وعلم الحديث واصول الفقه واحكامه وان يكون ملما بمستجدات العصر والتشريع واحكامه وان يكون دارساً لجميع العلوم الشرعيه فضلاً عن حفظه لكتاب الله وفهمه للاحاديث النبوية فهماً جيداً.
واضاف: إن ما وجد فى كتب التراث هو (افتراضات) للعلماء وليس بالضرورة أن تتحقق فى الواقع انما كانوا بعد أن يقرروا أحكاماً ونوازل ومهمات وقضايا حدثت كانوا يفترضون مسائل قد تقع وقد يكون الفقهاء الاقدمون قالوا فى مسائل حدثت فى عصرهم وليس لها وجود الآن، فكلام الفقيه هو رأى أتاه وقد يكون فى رأي آخر ما فيه الغنية فنأخذ بهذا الرأي ونترك الآخر والمجتهد الذى تتوافر فيه شروط الاجتهاد ان اصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، بينما من لا تتوافر فيه شروط الاجتهاد لا يؤجر إن أصاب فحديث النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول:(من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ).
من جهته قال الدكتور احمد خليفة الشرقاوى مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر: ان المعايير المطلوب توافرها فيمن يتصدى للاجتهاد فى العلوم الشرعية تتمثل فى دراسته لكل العلوم الشرعية والعربية كالتفسير والاحاديث النبوية وصحيح البخارى دراسة وافية ودقيقة وان يكون مدركاً لمعانى اللغة والناسخ والمنسوخ واسباب النزول .. وغيرها من الاحكام، وان يكون عالماً بسنة النبى (صلى الله عليه وسلم) وقادراً على ادراك الواقع والا فما الفائدة من علمه، فالعلم وإدراك الواقع مكملان لبعضهما ويجب ان يتميز بهما صاحب الفتوى المجتهد.