لكن ليست تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اختفاء ملايين الدولارات من بنوك بنجالية. فعملية الاحتيال الكبيرة عبر الإنترنت في الاحتياطي الفيدرالي تتضاءل بالمقارنة مع النهب المنظم داخل النظام المالي لبنجلاديش، بما في ذلك ما يتم من قبل عدد من القائمين المفترضين عليه.

في الرابع من فبراير الماضي، تم سرقة 101 مليون دولار من احتياطيات الصرف الأجنبي لبنجلاديش من حسابها في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ولم يتم حتى الآن استرداد سوى نحو 20 مليون دولار فقط، ولا يزال من غير المعلوم من استولى على هذا المال أو أين انتهى به المطاف. ويتم وصف السرقة بأنها واحدة من أكبر عمليات السطو على بنك في التاريخ.
لكن ليست تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اختفاء ملايين الدولارات من بنوك بنجالية. فعملية الاحتيال الكبيرة عبر الإنترنت في الاحتياطي الفيدرالي تتضاءل بالمقارنة مع النهب المنظم داخل النظام المالي لبنجلاديش، بما في ذلك ما يتم من قبل عدد من القائمين المفترضين عليه.
فالبنوك التجارية الستة المملوكة للدولة تسيطر على نحو ربع كل الأصول المصرفية في البلد غير أن لها نفوذا هائلا على الاقتصاد بسبب علاقاتها بالحكومة. على سبيل المثال فإن تلك البنوك لها معدلات هائلة من القروض المتعثرة، حسب صندوق النقد الدولي والمتوسط بالنسبة للقطاع المصرفي عموما عالٍ جدا: حوالي 11% مقارنة بنحو 4% في الاقتصادات المتقدمة.
ويرجع جزء من تفسير ذلك إلى الإدارة السيئة من قبل مجلس إدارة البنوك، وإن كان المتهم أو المجرم الرئيسي هو ثقافة المحسوبية في البلد.
فإحدى أعتى الفضائح المصرفية في بنجلاديش تتضمن أكبر البنوك التجارية وهو بنك سونالي. ففيما بين عامي 2010 و2012، منح أحد أفرع بنك سونالي وحده بشكل غير قانوني 454 مليون دولار في شكل قروض من بينها حوالي344 مليون دولار لمجموعة هولمارك وهي شركة منسوجات بحسب صحيفة دكا تريبيون. وقد تواطأ تنوير محمد المدير العام للمجموعة مع مدير البنك على إصدار خطابات ائتمان مزورة لشركات وهمية.
بل وحتى بعد الكشف عن عملية الاحتيال، استمر بنك سونالي في العمل بمعدل قروض رديئة عالٍ جدا بلغ أكثر من 37% في خريف عام 2014.
كما أن البنك مع البنوك الخمسة الأخرى في بنجلاديش يعاد تمويله بشكل منتظم من قبل الحكومة لتصل قيمة ذلك إلى حوالي 640 مليون دولار للسنة المالية 2014، ومن المتوقع أن يبلغ أكثر من 700 مليون دولار للسنة المالية 2015.
إن ممارسات الإقراض غير المسئولة لتلك البنوك ـ ومحاولات الدولة غير المسئولة لإنقاذها بشكل ممنهج ـ هي إلى حد ما نتيجة للتواطؤ بين نخب المال والسياسة.
فاهميدا خاتون مديرة الأبحاث في مركز حوار السياسة في دكا كانت عضوة في مجلس إدارة جاناتا بنك وهو أحد البنوك التجارية في الفترة من 2008 إلى 2011، وذلك بعد تعيينها من قبل حكومة تصريف الأعمال العسكرية التي كانت تدير البلد في عامي 2007 و2008. وفي مقابلة في دكا عام 2014 أخبرتني أنه منذ عودة بنجلاديش للحكم المدني بعد انتخابات 2008، يتم تقييم حافظات القروض في المعتاد ليس وفقا للأعمال التجارية المحتملة، بل بالنظر إلى نفوذ أو علاقات الشخص طالب الائتمان. وأضافت أن اللافت هو أن القروض التي تم الموافقة عليها من قبل مديري البنك أصحاب الصلات بالحزب الذي يمكن أن يصبح في السلطة هي القروض التي تتعثر وتتخلف عن السداد دائما.
وهذا مثال على ذلك: سلمان رحمن أحد أغنى الشخصيات في بنجلاديش والمؤسس المشارك في بيكسيمكو وهي مجموعة تجارية كبيرة متخصصة في تصدير المستحضرات الصيدلانية والملابس. ففي برقية في 2007 من سفير الولايات المتحدة في دكا تم الكشف عنها فيما بعد في تسريبات وثائق ويكيليكس وصفت رحمن بأنه حسب الادعاء واحد من أكبر المتعثرين في القروض المصرفية في بنجلاديش. وتم الحكم عليه بالسجن بتهمة الاحتيال في عامي 2007 و2008 في ظل الحكومة الانتقالية.
وفي مقابلة معه في مكتبه في دكا مطلع العام الماضي، أخبرني رحمن أنه مدين بحوالي 800 مليون دولار لبنوك مملوكة للدولة. وألقى بلائمة ذلك على الحكومة السابقة التي كان يقودها الحزب القومي البنجالي ـ الخصم اللدود لحزب رابطة عوامي التي تتولى السلطة حاليا ـ لعدم جدولة ديونه. ومع ذلك وفي الوقت الذي التقينا فيه، كان رحمن قد صار مستشارا لشيخة حسينة رئيسة وزراء بنجلاديش ورئيسة رابطة عوامي. وأعلن أن البنك المركزي البنجالي أعاد حاليا جدولة ديونه.
ورحمن ليس استثناء. فقد تم الإعلان أن حوالي 565 مليون دولار في شكل أصول قد تم نهبها من بنك بازيك المملوك للدولة فيما بين 2009 و2012، ومع ذلك فإن العقل المدبر لعملية الاحتيال والنهب الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك لم تتعرض له لجنة مكافحة الفساد التي تحقق في جريمة الاحتيال ويرجع سبب ذلك على علاقاته السياسية. فالأعمال المصرفية في بنجلاديش تتم بمحاباة الساسة.
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن مؤسسات الدولة تعاني من فقر في التمويل وضعيفة. والفنيون والمدققون والمحاكم كل هؤلاء الحماة التقليديون ليس لديهم الصلاحيات أو القوة الكافية في بنجلاديش لإخضاع الساسة للتحقيق.
ويرجع ذلك بدوره إلى حقيقة أن بنجلاديش لديها أصغر معدلات ضريبة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في العالم حيث تقل عن 10%. ويمنع نقص البنية الأساسية من تحصيل ضرائب الدخل. صحيح أن هناك ضرائب لا تعد ولا تحصى على الشركات، لكن طريق الرشوة السهل جدا يمنع تحصيل مثل تلك الضرائب. ونتيجة لذلك إلى حد ما تخضع الواردات لرسوم باهظة، الأمر الذي يعطي المستوردين حافز للتحايل بأي وسيلة لتجنبها.
ثم إن هناك هروب رأس المال. فأنت إذا نهبت موارد الدولة في بلد مثل بنجلاديش، فلن ترغب في أن تخاطر بخسارتها بأن يتم الاحتيال عليك من قبل شخص آخر أو أن تتعرض للمصادرة من قبل الحكومة. وبناء عليه فإنك تقوم بأخذ المال إلى خارج البلد خوفا من العيون المتربصة من محصلي الضرائب المحليين لصالح ضرائب منخفضة واختصاص قضائي أقل شفافية.
وقد تم تهريب ما قيمته حوالي 9.7 مليار دولار من بنجلاديش في عام 2013 وحده، بزيادة عما كان عليه الحال عام 2004 عندما بلغ 3.3 مليار دولار حسب إحدى المؤسسات المالية. وهذا يعادل أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام وأكثر من 3.5 ضعف ما حصلت عليه بنجلاديش من معونة التنمية الأجنبية.
يجب أن تخضع هذه الأموال للضرائب في بنجلاديش. ولو تم فرض ضرائب عليها، ربما لقلت عمليات الاحتيال المصرفي وقلت الأموال التي يتم تهريبها للخارج.
وهذا هو أحد أحد الأسباب في أنه يجب على الملاذات الضريبة أوفشور أن تعمل بشكل أكثر شفافية. ويتعين على بنجلاديش بدورها أن توقف تدفق رؤوس الأموال غير المشروعة وتعيد التفكير في منظومتها الضريبية بغية تحصيل المزيد على الدخل والإيرادات والأرباح.
ومثل هذه التغيرات يمكن أن تعني إصلاحا رئيسيا للسلطات الضريبية والنظام القانوني للبنك المركزي البنجالي وبالطبع فإن النخب التي تستفيد من الوضع الحالي ليس لديها حافز كبير للقيام بذلك. غير أن بنجلاديش بحاجة إلى نظام بيروقراطي حكومي سليم إذا ما كان عليها أن تحجم ساستها الفاسدين.


جوزيف الشين
صحفي مستقل بريطاني المولد مقيم في دكا
خدمة "نيويورك تايمز" خاص بـ"الوطن"