( ١ )
كُنْتُ طفلاً
أحاولُ صيدَ الفراش
كانَ أبي يَعشقُ البحرَ
والرحيلَ الطويلَ الطويل

لَمْ أكُنْ مُدركًا
كيفَ مرَّ الزمان
كَبرتُ ..
(وماتَ أبي)
فانتبهتُ لهذَا الوجودِ اليباب

( ٢ )
وحيدًا أَجُرُّ الجُرحَ عودًا وريشةً
وأَعْزُفُ موتًا إثرَ موتٍ وأَسْكَرُ

أُرتِّبُ في المقهى خرائِطَ غُرْبَتِي
فيَسألُنِي المقهى إلى أين تَعْبُرُ؟

فلا وطنٌ في الغيبِ يفتحُ بابَهُ
ولا أُفُقٌ بالضوءِ والحُبِّ يُمْطِرُ

وحيدًا أُعِدُّ القلبَ فُلكًا لأبْحُرٍ
وفي كُلِّ بحرٍ غُرْبَتِي تَتَكرَّرُ

( ٣ )
وحيدًا على الطورِ أمشي
وأُلقي بعُمري
على البُوصلاتِ
التي لا تؤدِي إلى أي شيءٍ
أحدقُ حولي
ولا وقتَ
في وقتيَ المتعلقِ بالانكسار

أقولُ لحظّي:
تُرى من يُغنِي
لقلبِي الذي جفَّ فيهِ الغناء؟
فلا الشُرُفاتُ
تُطِلُّ على قَدَرٍ آخرٍ غيرَ هذا
ولا كفُّ وحيٍ من الغيبِ تأتي
وتمسحُ عنِّي رمالَ الظنون

أقولُ لنفسي:
أأبصرتَ وجهَ الحبيبةِ
يَخرجُ من كوةِ الذكرياتِ
ويُلقي عليكَ السلامَ ويبكي
لأنكَ أغرقتَ آخِرَ حلمٍ
يرفُّ بأقصى الفؤاد

( ٤ )
ناديتُ من طوريَ المنسيِ لا قبسٌ
لروحيَ الآنَ يُهْدِيهَا فَتَنْطَلِقُ

أقولُ: لا بدَّ من وحيٍ لأُبْصِرَنِي
مِلءَ المرايَا حضورًا كُلُّهُ أَلَقُ

وكُنتُ أمشِي وكان الكونُ في جسدِي
بالريحِ بالخوفِ بالصحراءِ يَخْتَنِقُ

ناديتُ من آخرِ الأنفاسِ في وجعِي
للصبحِ لكنْ دِمَاءُ الليلِ تَنْبَثِقُ

( ٥ )
وحيدًا على الطورِ أمشي
وأَحملُ تابوت جُرحِي على كتفيَّ
أقولُ: لأُختي
إذا متُّ يومًا
فغطي رفاتي بغيمٍ
لعلي سأهطلُ ماءً
وأغسلُ حزنَ اليتامى

وشاعرَ حُبٍّ
خلقتُ هُنا في الوجودِ اليبابِ
قرارًا من اللّه
كانتْ تلوحُ أمي
مذعورةً للإلهِ
تقولُ: إلهي ترفقْ بإبني
سيلقى مصيرًا مخيفًا
إذا دخلَ الآنَ وكرَ الأفاعي
لماذا إلهي اصطفيتَ حشاشةَ جوفي؟
ليسردَ أوجاعَ كُلِّ الخليقةِ
يسردَ حزنَ الوجودِ

وحيدًا على الطورِ أمشي
أقولُ لخطوي:
أريدُ الوقوفَ
على بعدِ مترٍ من العُمرِ
كيفَ أراني؟
أريدُ تأملَ عُمري
لعلي أغيرُ شيئًا من القدرِ المرِّ
أبعدُ روحِي عن الموتِ شيئًا قليلاً
وأنسى انتكاساتِ قلبي
وأخرجُ مني
وأبدؤني من جديد

( ٦ )
وحيدًا على طوري وخوفٌ يُحِيطُ بي
ولا قَبَسٌ وجهُ المسافاتِ مُقْفِرُ

على عَتْمَةٍ أمشي وكُلُّ مواجِعِي
تَصاعَدَ منهَا الخوفُ والخَطْوُ يَعْثُرُ

عَرَفْتُ المنافِي كُلَّمَا عِشْتُ غُرْبَةً
تَعَلَّمْتُ أَنَّ الجُرْحَ لا يَتَخَثَّرُ

فما زلتُ في الوادي وشَكٌّ بداخلي
فأُؤمِنُ بالتأويلِ حينًا وأَكْفُرُ ..

ناصر الغساني