كانت الليلة المنتظرة التي يتوق لنتيجة ما يتمخض عنها كل كاتب وأديب عماني، فدعيت لها وأنا أشد شوقا إليها، ليس لأن فيها تتبدل إدارة عن أخرى، أو لأني أتوق لفوز الرابطة التي أنتمي إليها، أمر أهم من هذا بكثير أردت أن أرى مستقبل الكتابة والأدب في عمان عن قرب، نعم لأن كل باحث أو مؤرخ أو حتى قارئ إذا أراد أن يتعرف على حضارة أو عصر من العصور القريبة أو البعيدة في القدم، يتعرف عليها من خلال ما يكتب عنها وخاصة من عاش في تلك الحقبة وألف فيها، إذن الكاتب والأديب هو من يصف الحالة وهو مرآة المجتمع الذي يعيش فيه، من هذا المنطلق كان هدفي.
فذهبت بعد استئذاني من رئيس عملي لأن مقر الجمعية يبعد بحوالي 380 كيلومترا، وأنا خلال طريق سفري أمني النفس بجبال من القامات الشاهقة من الكتاب والأدباء الذين تختلف مشاربهم وتوجهاتهم وكلهم يخدم الأدب ويصنع المجد لتاريخ عمان، وصلت قبل الموعد المحدد بالساعة السابعة، وكان قد انهكني الجوع والعطش أردت أن أصل في الموعد، وقيل لي قبله أفضل حتى نعرف الحضور من عدمه، ولا يوجد قرب الجمعية مقهى أو دكان للأكل أو الشرب وكنت في حالة الله بها عليم، وقلت في نفسي الموعد قريب سأنتهي من التصويت وأتلمس الوضع الذي جئت من أجله ثم أذهب، تأخر الموعد حتى العاشرة ليلاً وأكثر.
خلال هذا الانتظار كنت أنظر في كل من حضر وأتلمس ثقافتهم وتوجهاتهم لأطمن على مستقبل الكتابة والأدب في السلطنة، فمن حقي كقارئ أن أطمئن على سير هذا المجال للتاريخ، وسأرسل إشارات من خلال بعض المواقف، أول دخولي سلمت على مجموعة كان بها الشيخ الشاعر هلال العامري، فقال لي العامري أنت رجل محظوظ الناس هنا يتأبطون شراً وأنت تتأبط كتبا، فأعجبني ما أشار به وقلت هذا أول الغيث، ثم أشار الشاعر خميس قلم في حوار معه بكلمة جميلة أن الابداع ليس له لغة معينة ولا يحكم بوطن، لكنني ما رأيته من أكثر الكتاب لا يبشر بخير، فحديثهم لا يمس الواقع الأدبي ولا السياسي ولا الإجتماعي بشي، فمنهم من يقول أنا ليبرالي تقدمي، ومنهم من يقول أنا من المحافظين الجدد، وهم في الحقيقة بعيدون كل البعد عن هذه التوجهات لاحظت ذلك من خلال تصرفاتهم ومن خلال أحاديثهم الجانبية.

بعد جهد جهيد دخلنا القاعة للانتخاب وبالمناسبة حتى أسلوب المناداة للتصويت أسلوب قديم وغير ناجع وهو يستهلك الكثير من الوقت بلا طائل، وفي خلال جلوسي في القاعة كان الحديث الأدبي الواعي المهتم بالأدب يصدر من الشاعر المكرم محمد بن حمد المسروري، فكان حديثه معي حول إصداره الأخير وما يؤصل للأدب العماني ويربط التراث بالحاضر والمستقبل. أوضحت إحدى الكاتبات أمرا مهما جداً جداً وهو أن الجمعية تعيش على الهبات والعطايا، فلماذا لا تجدوا سبيلا لدخل ثابت أو دعم لدوام الاستمرار في كيانها. لكن المشكلة لم يعط هذا الحديث اهتماما رغم أنه من وجهة نظري أن هذه النقطة هي أهم وأجدى من غيرها بكثير، فهي نقطة تكفل الديمومة والبقاء للجمعية وكتابها وكل ما يتعلق بها، عموما هذا شأن الإدارة الحالية وسنرى ماذا ستعمل عليه. إشارة أخرى كان التعب قد بلغ مني مبلغ ورائحة فمي من العطش والجوع قد تغيرت، كان يجلس بجانبي الأيسر دكتور من الذين أعتز بمعرفتهم وهو يمثل رمزا كتابيا ذا نظرة وسطية، فهمس في أذني (المؤمن مرآة أخيه) وأعطاني علكة فشكرته أيما شكر، لكني مابرحت ولم أسلم من لسانه في شرق وغرب المكان، فقد لاكني لوكا وظننت أن نصف القاعة قد علمت أنه أعطاني علكة لأغير بها رائحة فمي المتعب، وهي ليس لي بعادة، عموما أردت أن أهمس في أذنه قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رياء الناس) ولكني أحجمت فقد كان ما يحدث من ترهات وأفعال في القاعة لا تمت للأدب بشيء هي من أشغلني، ندمت على انني أنتمي إلى هذا المكان وعلمت أن مستقبل الأدب ليس بخير، وهي صورة مشهورة للأدب وليست سامية تحتاج إلى سنين لتمثل معلما من معالم الفكر والإبداع المتكامل الأركان، لأن من يحملها بهم هوس الشهرة والأنا أكثر وضوحا من الأنا العليا.

صالح السنيدي