[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
يبدو ان الأمم المتحدة أدمنت الفشل، مثلما تعودت على اطلاق جرعات احباطية عالية ليتجرعها المتعشمون في استئسادها سواء كانت هي كهيئة، ام أعضائها الذين يفترض انهم قادرون على اتخاذ القرارات الشجاعة لمناصرة المستضعفين في الأرض على مرأى ومسمع من قياداتها وهيئاتها ومؤسساتها، التي أصبحت مقار صرف مالي، اكثر من كونها منظمات دولية يرجى منها السعي لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها كصون الحقوق الاساسية للانسان وترسيخ العدالة والسلام العالمي.
وبهذا فقد كشفت المنظمة الدولية ليلة الخميس عن سوءتها بلا خجل، عندما تقمصت دور مقاول البناء، مقلصة مهامها الاممية العظيمة لتتقزم في مجرد دور مقاول، وذلك عندما اعلن مكتب تنسيق الشؤون الانسانية (اوتشا) التابع لها في نفس اليوم عن ان عمليات اعادة مساكن الفلسطينين بقطاع غزة التي سبق ان عبث بها ودمرها العدوان الاسرائيلي، قد توقفت بسبب منع اسرائيل (العضو) ادخال مواد البناء الى غزة منذ شهر، مما اضطر المنظمة المفترض انها (دولية) إلى وقف المساعدة في اعادة اعمار أكثر من الف مسكن في غزة بسبب نقص مواد البناء.
من يقرأ الخبر أول مرة ودون سابق تفكير حول من هي الامم المتحدة، يبدو له الأمر بأنه اعلان صادر عن مقاول انشاءات، ينبغي على صاحب العمل أن يوفر له الظروف المناسبة والملائمة له ولعماله حتى يتمكن من مباشرة اعمال البناء والتشييد في ظروف (انسانية ) تضمن للعمال السلامة الصحية والمهنية، وعدم التشغيل في درجات الحرارة العالية، وتوفير الغذاء الصحي، والماء الصحي، والعلاج الطبي، وعدم التشغيل دون رضاء العمال .. وكل ذلك انصياعاً لمقررات ومعايير منظمات تابعة للامم المتحدة!
ولكن الصدمة تبدو اقوى عندما يتبين ان المعلن عن ذلك العجز في القيام بأعمال البناء، ليس مقاولا عاديا، بل شخصية اعتبارية مهمة، ومنظمة دولية تناست، وربما في طريقها للتملص من دورها في صون حقوق الانسان ذلك الدور الذي يعتبر أحد اهم دوافع قيامها بعد اتساع دائرة الابادة الجماعية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية.
لقد تناست المنظمة الدولة المأسوف على فاعلية قادتها وهيئاتها، بان ميثاقها يلزمها هي وكافة الدول الاعضاء فيها إلى احترام ومراعاة حقوق الانسان، حيث تتضمن الحقوق (الاجتماعية) التي بينها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تبنته الامم المتحدة نفسها، يتضمن الحق في السكن، والحق في الضمان الاجتماعي، والتعليم، والعيش الكريم، والرعاية الصحية، والرفاه الاجتماعي، والبيئة النظيفة.
فهل غاب على الامم المتحدة بأن اولئك الغزيين الذين ادت حرب العدوان الاسرائيلي في عام 2014 إلى فقدان اكثر من ثلاثة وعشرين الف (انسان) لحياته بالاستشهاد في تلك الحرب بما يعتبر فقدان لأحد اهم حقوق الانسان وهو (الحق في الحياة)، بينما افتقد من بقي حياً من المعتدى عليهم اثنتا عشرة الف وحدة سكنية تم تدميرها بالكامل، بالاضافة الى تهديم جزئي لحواليى مائة وستين الف وحدة سكنية ... وكل ذلك ينحصر ضمن حق (السكن ) كابرز الحقوق الاجتماعية الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
ولكن رغم كل ذلك، لم تصمد الامم المتحدة امام ما كان ينبغي لها ان تعتبره مشاكسة لم يزد عمرها عن شهر واحد – وهو فترة توقف دخول مواد البناء الى غزة - نتيجة سلوك عضو صغير – وهو اسرائيل. بل سرعان ما تخاذلت المنظمة الدولية، وتقزمت وتقمصت دور المقاول، واعلنت وقف العمل! ، بينما كان بمقدورها تركيع اسرائيل وكل من يمنع دخول اي مواد تابعة للمنظمة الدولية، وذلك باعتبار ان اعمال البناء تقوم بها المنظمة الدولية وليست حماس او غيرها، وان اسرائيل عضو ينبغي عليه احترام تلك الاعمال، خصوصا وانها ليست قرارات انسحابات من اراض، او من مدن، بل انها مجرد اعمال بناء لايواء مشردين وضحايا حرب.
كان بمقدور المنظمة الدولية المتخاذلة، والتي يحق للبعض - وحتى يثبت العكس - ان يسموها (بالمتواطئة) كان بامكانها ان تطلب من الموردين وشركات الاسمنت ومواد البناء تعبئتها في اكياس تحمل شعار الامم المتحدة لاضفاء الهيبة الاممية عليها، او حتى يمكنها اصدار قرار يأمر او يطالب اسرائيل بالسماح للاسمنت ومواد البناء التابع لاعمال البناء التي تشرف عليها الامم المتحدة بالدخول. واضعف الايمان ان ينبري امينها العام ويتأبط المايكرفون ليكرر معزوفاتها المألوفة من باب نأسف ونستنكر وندين ونندد بما قامت به اسرائيل تجاه عدم السماح بدخول مواد البناء لاتمام المشاريع التي تساعد المنظمة الدولية في انشائها ! .