[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”يتضح لنا جليا كنتيجة نهائية بأن هناك العديد من أوجه الشّبه ونقاط التماس والالتقاء بين أهداف المنظمات الإرهابية العالمية وكارتلات تجارة المخدرات الدولية ( فكلاهما يعارض سيادة الدولة، ويعمل على أفضل وجه في الأماكن التي لا تطولها سلطة القانون، ويعتمد على وسطاء مشبوهين مزدوجين لكل من الأعمال الإرهابية وتجارة المخدرات، وكلاهما لا يولي اعتباراً لحقوق الإنسان،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكدت العديد من الدراسات الأمنية الميدانية والتي تابعت ظاهرة ارتباط التنظيمات الإرهابية بشبكات تجارة المخدرات، أمر مثير فعلا في ذلك الارتباط بين المخدرات والإرهاب، وهو أن الكثير من الإرهابيين كانوا متعاطين للمخدرات، وان (العلاقة بين الإرهاب والمخدرات ليست ظاهرة جديدة، فعدد لا بأس به من جرائم الإرهاب والاغتيالات في العالم، ثبت وقوع مرتكبها تحت تأثير المخدرات والمؤثرات العقلية، أو وفقدان الوعى، أو بلغة المثقفين"استلاب العقل"، كما ثبت أيضا وجود علاقة بين الجريمة المنظمة والإرهابية وبين المصلحة الشخصية أو الدافع الذاتي، أو الانتقام بسبب الفقر أو الحرمان من وظيفة أو عمل، حيث يكون الإرهاب بيئة خصبة لهؤلاء الذين يشعرون بالدونية أو يعتقدون أنهم ظُلموا فيلجأون للمخدرات ملاذًا وهروبًا من الواقع، إلى أن تأتي فرصة الانقضاض والانتقام من المجتمع بجريمة قتل لا تفرق بين المجرم الحقيقي والضحية).
المتتبع لتطور الجريمة الإرهابية العابرة للحدود الوطنية يجد في هذا التطور الذي استجد على فكر الإرهاب العالمي، خطوة متطورة وخطيرة جدا، وخصوصا قضية التعاون بين المنظمات الإرهابية ومنظمات الجريمة الدولية المنظمة وكارتلات المخدرات وفي هذا السياق يقول مايكل براون مدير البرنامج المساعد ورئيس العمليات في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية من انه وعلى (مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية – 1983/ 2008 - كانت هناك روابط عديدة بين المخدرات والإرهاب، فمن بين المنظمات الثلاث والأربعين المعرّفة رسميًّا كمنظمات إرهابية أجنبية، وجدت إدارة مكافحة المخدرات أن تسع عشرة منها ترتبط بشكل أو بآخر بتجارة المخدرات العالمية، وتعتقد الإدارة أن ما يصل إلى 60% من المنظمات الإرهابية ترتبط بالتجارة غير المشروعة بالمخدرات)، كما يعتقد الكثير من المحللين والمراقبين الدوليين ان المنظمات الإرهابية قد أخذت عن كارتلات المخدرات الدولية تنظيمها الداخلي واعتمادها على هياكل لا مركزية من الخلايا.
ولهذا الجانب بعد سياسي ومالي وآخر امني واستخباراتي, اقصد التعاون اللوجستي بين الإرهاب ومنظمات المخدرات العالمية, فأما البعد الأمني والمالي فيتعلق بضرورة توسيع دائرة التحالفات التي تحتاجها تلك التنظيمات الإرهابية لتأمين مصالحها اللوجستية العالمية سواء كانت المالية منها او المعلوماتية الاستخباراتية، ما يدفع لضرورة التعاون بين الطرفين بهدف تامين كل منهما لمصادر تمويل الطرف الآخر، وكذلك لتبادل المعلومات التي يمكن ان توفر عليهما جهدا مسحيا شاملا لمعلومات تتعلق بالجهد الأمني الدولي المتعلق بمحاولات احتواء الإرهاب العالمي، خصوصا ان كل منهما يملك الكثير من المعلومات الاستخباراتية حول القوى الأمنية الدولية المعادية أو المتصدية لخطرهم نظرا لارتباطهما بشبكة عالمية من العلاقات الدولية الاستخباراتية.
أما بالنسبة للجانب السياسي فكما سبق واشرنا إلى ان للإرهاب والتنظيمات الإرهابية دوافع سياسية وعقائدية تتعلق بأيدولوجيا الإطاحة بالأنظمة السياسية لأهداف سياسية استراتيجية، وهو كذلك ما تخطط له بعض تلك الكارتلات الدولية للمخدرات نظرا لأهمية انتشار بيئة الفوضى السياسية والأمنية بالنسبة لها في بعض الدول التي تقوم بنشر المخدرات بين سكانها، كما يتداخل الإرهاب مع السياسة في تعاون بعض الدول للأسف الشديد مع تلك التنظيمات الإرهابية لأهداف ومصالح جيوسياسية تخدمها مصالحها وأجنداتها السياسية سواء كانت تلك المصالح تكتيكية أو استراتيجية, كالإطاحة بالأنظمة السياسية التي تختلف معها أو تتعارض مع مصالحها السياسية الدولية أو الإقليمية، من خلال الترويج للمخدرات ومساعدة التجار في نشر ذلك في تلك الدول.
وقد تناولت هذا الجانب بشكل مفصل في دراسة تحت عنوان : كيف ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات في صناعة الإرهاب والتطرف ؟ - راجع الفصل الأول - أشرت فيها إلى 5 مداخل تمكنت تلك التنظيمات من استغلالها للولوج إلى العديد من الدول وهي: فكرة صناعة عدو، الاغتراب السياسي والوطني والديني للشباب، افتقاد الثقة في الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، وضعف الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية، وسوء المعالجات التي وجهت لهذه الظاهرة التي استفحلت في عصرنا الراهن ، ويعتقد خبراء مكافحة الإرهاب في أوروبا أن المتطرفين يستفيدون من تجار المخدرات والإجرام المنظم على مستويات متعددة، أبرزها: (استقطاب مجرمين بعد توبتهم، حيث يصبح المجرم السابق الأكثر تطرفا واستعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية، وهذه ظاهرة لا توجد فقط في أوروبا بل حتى في الكثير من الدول العربية، أما في المقام الثاني، الاستفادة من عائدات المخدرات ومنها المخدرات التي تباع في الأحياء الأوروبية، وكذلك الاستفادة من طرق هروب المهربين والاختباء وتزوير البطاقات الشخصية والهويّات).
ويتضح لنا جليا كنتيجة نهائية بان هناك العديد من أوجه الشّبه ونقاط التماس والالتقاء بين أهداف المنظمات الإرهابية العالمية وكارتلات تجارة المخدرات الدولية ( فكلاهما يعارض سيادة الدولة، ويعمل على أفضل وجه في الأماكن التي لا تطولها سلطة القانون، ويعتمد على وسطاء مشبوهين مزدوجين لكل من الأعمال الإرهابية وتجارة المخدرات، وكلاهما لا يولي اعتباراً لحقوق الإنسان، ويعتمد على السمات المميزة للجريمة المنظمة مثل الفساد والتخويف والعنف، كما أن كليهما يتصف بكونه من المنظمات فائقة الدقة التي تستعين بأحدث التقنيات. ويعتقد معظم المحللين أن المنظمات الإرهابية الأجنبية اقتبست هيكلها اللا مركزي الذي يعتمد على الخلايا والبؤر من كارتلات المخدرات، وغالباً ما تعتمد المنظمات الإرهابية الأجنبية وكارتلات المخدرات على نفس الجهات التي تقوم بتبييض الأموال ولديها القدرة على تجديد نفسها كلما وجهت إليها ضربة، وغالباً ما تعاود الظهور في شكل جديد أو يصعب التعرف عليه. أما الاختلاف الرئيسي بينها فهو الدافع: الربح هو الدافع الأول والأخير الكارتلات المخدرات، في حين أن للمنظمات الإرهابية دوافع سياسية أو أيديولوجية).
إذا ومن خلال ما سبق التطرق إليه يمكن القول إن مصادر التهديد الرئيسية والتي يمكن أن توجه أو تلج للعديد من الدول ومن ضمنها للبيئة الوطنية العمانية في هذا السياق، هي من خلال المداخل التي تطرقت إليها الدراسة، ومن بينها التعاون بين التنظيمات الإرهابية الدولية وتجار المخدرات سواء كان ذلك عبر تنظيمات أو أفراد لا ينتمون إلى تنظيمات بعينها في نشر المخدرات كمصدر رئيسي لتدمير الشباب والسيطرة عليهم بهدف تحطيم اعز وابرز ركائز التنمية الحضارية والثروة القومية الوطنية، كما يمكن أن يستغل في هذا السياق كل شكل قابل للاستغلال في جانب من جوانب الظروف الاقتصادية والأزمات المالية والمشاققات الثقافية والسياسية في البيئة الديمقراطية الوطنية بين المواطنين ومؤسسات الدولة حول العديد من القضايا الوطنية لبث روح الكراهية والعنف والتطرف بين الأفراد المدمنين نظرا لسهولة التحكم بهم واستغلالهم بعد ذلك، وإمكانية استخدامهم كأدوات تخريبية لبث الفوضى ونشر الفتن ووسائل هدم المجتمع أخلاقيا وكذلك استخدامهم كأدوات ترويجية لإثارة النزاعات والمشاققات السياسية لهدم الاستقرار السياسي والأمني الوطني.
يضاف إلى ذلك إمكانية استغلال الظروف السياسية والأمنية الحدودية مع دول الجوار، خصوصا الحدود البحرية الساحلية والتي تعد البطن الرخو والجانب الأضعف في مسألة الحماية والاحتواء نظرا لصعوبة المراقبة والحراسة والضبط الميداني، والخوف الأكبر والأشد خطورة وقلق هو استغلال شبكة الانترنت ووسائل ووسائط التواصل الاجتماعي في تلك الأعمال الإجرامية والإرهابية العابرة للحدود الوطنية في البيئة الوطنية العمانية للترويج والدعاية والتسويق لأفكارهم وتجارتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: هذه الدراسة الموجزة هي اختصار لدراسة شاملة حول الموضوع، سيتم نشرها بإذن الله في كتاب سيصدر خلال الفترة القادمة .