[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ذاكرة الأول من مايو مفتوحة لمن يشاء الاعتراف بها .. كانت المناسبة ركنا مهما لدى الاتحاد السوفياتي السابق كونه بلد النظرية الشيوعية التي ترى في عمالها وفلاحيها مادة تكوين الحياة واساس بنائها. اليوم انتهى موعدها مع روسيا التي يرى رئيسها بوتين كل من يريد العودة إلى الاتحاد السوفياتي بلا عقل كما قال، لكنه اعتبر ان من لم يحزن على سقوط هذا الاتحاد لا قلب له.
كنت في ذاك الزمن أراقب العالم في يوم (عيد) العمال هذا فأرى انقسامه، وتحت جلود بنيه اشتهاء لحياة مختلفة. وبالطبع كان العرب تجربة فاشلة في تبني هذا اليوم كونهم متخلفين في تطبيق فرضياته. وحين حاول الزعيم جمال عبد الناصر ان يخلق طبقة عاملة تؤدي إلى خلق نواة حقيقية لاشتراكية مفترضة، جاء بعده من هدم الفكرة والمثال، ثم جاء آخر فباع حتى الممتلكات التي تؤدي إلى طبقة عاملة بل باع الفكرة من اساسها.
من المؤسف ان تكون سوريا مثلا نامت على طبقة عاملة وعلى قيم فلاحية مهمة ادت إلى مجافاة دولة حار فيها الاصدقاء والاعداء كونها لم تمد يدها لتستلف المال وتقترضه كما هي حال دول مهمة وغير مهمة. ربما، بل اكاد اجزم انه واحد من الأسباب المهمة التي تسعى لشطب سوريا وخلق دولة جديدة معتمدة على مد اليد وطلب الاحسان قبله. ان تكون منزها عن هذه الفرضية وتعيش مرتاح البال من الديون التي هي في نهاية المطاف عملية بيع للصندوق الدولي لكنه ارتهان سياسي للكبار ولغيرهم، لم يعد مسموحا به. يجب ان تستدين الدول كي تنبطح وتذل وتهدد في مصيرها وحريتها واستقلالها.
كلبناني اعرف ان السوري عامل في تركيبته وفي بنيته، فهو بنى جزءا كبيرا من اعمار لبنان، وربما اماكن عربية اخرى، وقدم نموذجا من اليد العاملة المتطورة التي تمكنت ان تصنع اكثر حاجات السوريين .. المسألة ليست مجرد رغبة، بل هي شعب يرث عقله العملي ومهارة يديه، واذا ما وفق بدولة تفهمه في قيمه تلك وصل الى مبتغاه.
في يوم العمال، ينوح العامل السوري وخصوصا اولئك الذين خسروا مصانعهم ومعاملهم، وخسروا معها تجربة تسيير ذاتي كانت له اشراقة وطنية نعترف اليوم بأنها ساهمت في قدرة سوريا على الصمود امام حرب كونية ضدها، بل ضد انسانها، وضد عقله ويديه .. في العام 1948 تخرج من سوريا ستة آلاف من جامعتها، في الوقت الذي تخرج بعض المئات من جامعات بريطانيا في ذلك الوقت. وما زلت إلى اليوم اتذكر طبيبا لبنانيا تخرج من جامعة حلب عام 1916 وكان امهر اطباء لبنان، بل يمكن الوثوق بعلمه وتجربته اكثر من اي مختص قادم من اي بلد غربي او شرقي.
ثم نحن نفهم العمل على اساس يدوي فقط، وفي حقيقة الأمر، فإن العمل يبدأ من التفكير والفكرة، ليصل إلى اليد .. كل شيء في هذا العالم يبدأ بالفكرة، اذن هو عمل ومن صبه في قالبه الفكري عامل ايضا. فمتى يحسن العرب افكارهم ليكون لهم قامة في عيد عالمي، ما زال مجرد مناسبة لا علاقة لها بالواقع العربي.