"” .. حكمة جلالة السلطان تكمن فى أنه كان حريصا كل الحرص فى عدم الانزلاق فى أى من هذه الفخاخ التى نصبت بإحكام إما للتدخل أو للسيطرة او لايجاد نوع من التوترات والصراعات أو لتقسيم هذه الدول, وامتدت حكمته التى تظهر واضحة جلية فى أنه استطاع بحق الوصول إلى أن تكون رسالته واقعا فعليا على الأرض تعيش فيه سلطنة عمان ويعيش فيه كل الشعب العمانى.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد اكتساب صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لقب حكيم الزمان ليس وليد اللحظة ولكنه نتاج لعمل دؤوب ورؤية ثاقبة وفكر مستنير ورسالة حملها عبر سنوات قيادته للسلطنة.
لقد مرت المنطقة العربية كلها بالعديد من الأزمات والصعاب والتحديات وتعرض بعضها إلى الانقسام والبعض الآخر الى الخراب والدمار والبعض الآخر إلى تفشي الصراعات والتناحرات الداخلية فيها ولقد وقع البعض الآخر فى الفخ والشباك الذى نصب له إما بشكل مباشر أو غير مباشر ولقد وقع البعض الآخر فى التحيز لطرف دون الطرف الآخر وأدى ذلك الى خلافات وتوترات بين انظمة بعض الدول وامتد ليطول بعض شعوبها .
فحكمة جلالة السلطان تكمن فى أنه كان حريصا كل الحرص فى عدم الانزلاق فى أى من هذه الفخاخ التى نصبت بإحكام إما للتدخل أو للسيطرة او لايجاد نوع من التوترات والصراعات أو لتقسيم هذه الدول, وامتدت حكمته التى تظهر واضحة جلية فى أنه استطاع بحق الوصول إلى أن تكون رسالته واقعا فعليا على الأرض تعيش فيه سلطنة عمان ويعيش فيه كل الشعب العمانى.
لقد استطاع جلالته فى ظل ما يسمى " بالربيع العربى " الذى اجتاح معظم البلدن العربية وكان بعضها علي حدود السلطنة من أكثر من جهة ووصلت الى الاقتتال والدمار وإلى التقسيم لأحدها والواقع على مقربة من السلطنة ولقد حافظ الله على السلطنة بفضل حكمة جلالة السلطان وحسن ادارته وبفضل الوعى الموجود عند الشعب العمانى والذى عمل عليه جلالته طوال سنوات قيادته للسلطنة وتكمن حكمته ونظرته الثاقبة التى جعلته لا يترك فرصة لوجود تقسيمات داخلية داخل المجتمع العمانى ،فالجميع واحد يعيشون فى وطن واحد تحت قيادة رجل واحد وفكر واحد وإدارة منظمة.
وأرى أن ذلك كله يرجع الى الفترة التى قضاها جلالة السلطان بعد عودته الى عمان عام 1964 م والتى تعمق فيها في دراسة الدين الإسلامي، وكل ما يتصل بتاريخ وحضارة عمان دولة وشعباً على مر العصور حتي تولي الحكم عام 1970 م. واعتقد أن هذه الفترة تحديدا كانت لها من الأهمية والأساس التى تمت فيه صقل الحكمة والعشق الحقيقى الذى يوجد واضحا و جليا في نفس جلالة السلطان قابوس تجاه السلطنة وتجاه الشعب العمانى كذلك نظرته الحكيمة والثاقبة تجاه القضايا العربية التى تمر بها المنطقة وعدم الانخراط فى اى اهواء انجرف اليها بعض أو معظم بلاد العرب او رؤسائها فاستطاع بحق بأن يعبر بالسلطنة وبالشعب العمانى إلى بر الأمان.
وقد أشار جلالة السلطان قابوس في أحد أحاديثه إلى أن إصرار والده على دراسة الدين الإسلامي وتاريخ وثقافة عمان، كان لها الأثر العظيم في توسيع مداركه ووعيه بمسؤلياته تجاه شعبه العماني والإنسانية عموماً. كما أنه استفاد كثيراً من التعليم الغربي الذي تلقاه وخضع لحياة الجندية ولنظام العسكرية في بريطانيا، ثم كانت لديه الفرصة في السنوات التي تلت عودته إلى صلالة لقراءة الكثير من الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من المفكرين الذين اثروا في تشكيل فكر العالم.
إنه بحق يستحق أن يكون حكيما لهذا الزمان الذى ندر فيه الحكماء وغاب عنه أصحاب الرؤية والرسالة .
حفظك الله ورعاك ووفق على طريق الحق خطاك وأنار الله لكم بصيرتكم وزاد من وعيكم ومن حكمتكم وأدامكم زخرا لسلطنة عمان وفخرا للشعب العمانى والعربي وقدوة للجميع فلقد عبرت بالسلطنة طوال الخمسة والأربعين عاما طريقا طويلا من العمل والبناء و التنمية ولم تغفل أبدا أهمية الحفاظ على السلطنة وعلى الشعب العمانى فكنت بحق نعم من حمل الأمانة .

د. صلاح الديب
رئيس المركز العربى للتحكيم للاستشارات القانونية وإدارة الأزمات وخبير إدارة الأزمات فى مصر والوطن العربى
[email protected]