ديلما روسيف تستقوى بالعمال والفقراء لمنع "الانقلاب".. ونائبها يلعب بورقة "خطة الإنقاذ"


[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]
مقدمة:
يعقد مجلس الشيوخ البرازيلى جلسة تاريخية يوم 12 مايو الجاري للتصويت على عزل الرئيسة البرازيلية الحالية ديلما روسيف، حيث شكل المجلس لجنة خاصة للنظر في إجراءات إقالة الرئيسة اليسارية، ووكل 21 سيناتورا بالمهمة، على أن تقدم هذه اللجنة في غضون 10 أيام، على الأكثر، توصية إلى مجلس النواب لكي يصوت في جلسة علنية على ما إذا كان سيقرر المضي قدما في إقالة الرئيسة، أو أن يصرف النظر عن هذه القضية، ويجب أن تصوت الغالبية (41 صوتا من أصل 81) لمحاكمة روسيف بتهمة ارتكاب «جريمة مسؤولية»، ومن ثم، لإبعادها عن السلطة لمدة أقصاها 6 أشهر بانتظار صدور الحكم النهائي، وفى حال عزلها سيتولى نائبها ميشيل تامر المنصب ليكمل مدة ولاية الرئيسية التي تنتهي أول يناير 2019 .


طرفا الأزمة:
الأزمة التي تعيشها البرازيل يبدو أن لها طرفين وهما حزب العمال وحزب الحركة الوطنية ويقع على رأس كل طرف شخصيتان رفيعة المستوى وهما الرئيسة ونائبهحا، وكل منهما تكمه أيديولوجيته الخاصة فالأولى من أصل بلغاري والثاني من أصل لبناني.
ديلما روسيف هي أول امرأة تنتخب رئيسة للبرازيل، وكانت مديرة مكتب الرئيس لولا دا سيلفا واشتهرت أول الأمر لأنها كانت مقربة من الرئيس البرازيلي السابق، ولقبت روسيف بسيدة البرازيل الحديدية، بسبب شدتها وسلوكها المزاجي، فقد عرفت بتعنيف وزرائها على الملأ، وقد انتخبت عام 2010 ثم اعيد انتخابها في 2014، وصنفتها مجلة فوربس عام 2015 ضمن مجموعة من أقوى سبع نساء في العالم.
ولدت روسيف عام 1947، ونشأت في عائلة متوسطة الحال في بيلو هوريزانتي، وكان والدها بيدرو روسيف شيوعيا هاجر من بلغاريا، وكانت تحلم بأن تصبح راقصة باليه، ولكنها صرفت نظرها عن ذلك، وانضمت إلى الحركة اليسارية المناهضة للدكتاتورية العسكرية التي استولت على الحكم في عام 1964، وألقي عليها القبض عام 1970 وسجنت 3 أعوام، وتعرضت للتعذيب بالصعق الكهربائي، لدورها في المقاومة السرية.
أما ميشيل تامر فهو نائب الرئيس ورئيس حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية الوسطية، وهو الرجل الذي ترأس مجلس النواب البرازيلي لـ3 دورات على التوالي، وتبوأ منصب نائب رئيس البلاد 3 مرات، ويعتبر واحداً من أهم صانعي الدستور البرازيلي الحالي.
ولد ميشيل ميجيل إلياس تامر في ولاية ساوبولو عام 1940، هو الابن الأصغر من بين ثماني اخوات، وينتمي لعائلة هاجرت من شمال لبنان عام 1925، ويعتبر واحداً من أكبر أساتذة القانون الدستوري في البلاد، وبدأ حياته السياسية كأمين في التربية والتعليم لدى حكومة ولاية ساو باولو، وفي عام 1983 تم تعيينه كنائب عام لولاية ساوباولو، ثم تولى مسئولية ديوان الأمن العام في ولاية ساوباولو.
في عام 1985، أنشأ مجلس الأمن المشترك، وأنشأ أول قسم شرطة للمرأة فى البرازيل، و أيضا في هذه الفترة، قام بتأسيس دوائر حماية حقوق النشر، والتي تمثل أداة مهمة لمكافحة القرصنة، بالإضافة إلى دوائر التحقيق في جرائم العنصرية.
// مبررات عزل الرئيس:
الكونجرس البرازيلي يتكون من مجلسين الأول هو مجلس النواب ويضم 513 نائبا والآخر هو مجلس الشيوخ ويشمل 81 نائبا، فيما يتم انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه لمدة أربع سنوات بالانتخاب الحر المباشر في ورقة واحدة، وفي حالة اتهام أحدهما بقضايا تستوجب العزل من الوظيفة يجب أن يوافق ثلثا مجلس النواب ثم يحيل الأمر إلى مجلس الشيوخ الذي يجب أن يوافق أغلبيته المطلقة على تعليق عمله مؤقتا أو عزله نهائيًّا، وفشلت ديلما روسيف في كسب ثقة ثلث أعضاء مجلس النواب لوقف التصويت على اجراءات عزلها، حيث رفض 137 نائبا فقط وامتنع 7 عن التصويت وتغيب نائبين بينما وافق 367 نائبا في حين أن المطلوب دستوريا حال اكتمال الأعضاء 342 صوتا.
تعود بداية القضية إلى مارس2014، وهو تاريخ الكشف عن فضيحة الفساد بواحدة من كبريات شركات النفط البرازيلية، ألا وهي «شركة بتروبراس»، والتي طالت الاتهامات بشأنها عدداً كبيراً من رجال الأعمال والصناعة، ولم ينج من الاتهامات المتعلقة بها الرئيسة الحالية «ديلما روسيف» وكذلك الرئيس البرازيلي السابق «لولا دا سيلفا» علاوة على عدد كبير من زعماء الأحزاب السياسية المعارضة، وأعضاء في حزب العمال اليساري الذي يحكم البلاد منذ عام 2003.
وعلى الرغم من عدم ثبوت تورط روسيف في فضيحة فساد بتروبراس، فالاتهامات توجه إليها بخرق قوانين الميزانية، والتلاعب بحسابات الدولة عام 2014 لتقليل حجم العجز المالي قبيل الانتخابات لتسهيل إعادة انتخابها، فارتكبت بذلك في نظر المعارضة «جريمة إخلال بالمسؤولية» الأمر الذي يخالف الدستور، كما يلقي كثيرون باللوم عليها في تداعي الاقتصاد ووصوله إلى أسوأ ركود خلال 25 عاما على الأقل، ما دفع نحو ثلاثة ملايين مواطن لتنظيم تظاهرات حاشدة ضدها خلال مارس الماضي في عدة مدن برازيلية.
وربحت المعارضة الجولة في مجلس النواب بالتصويت الذي تابعه الآلاف في الشوارع على الهواء عبر شاشات عملاقة، لكن روسيف بانتظار الجولة الحاسمة فى مجلس الشيوخ، وانهارت جبهة حزب العمال الحاكم منذ 2003 في الدفاع عن السلطة، حيث تراجعت شعبية روسيف نهاية العام الماضي إلى مستوى تاريخي بلغ 10%، وافاد آخر استطلاع للرأي ان 68% من البرازيليين يريدون رحيلها.
ردة فعل:
وفي أول رد فعل لها أكدت روسيف عدم تورطها بأي "جريمة مسؤولية إدارية" تبرر اقالتها، واصفة ما يحدث "بالانقلاب المؤسساتي" تقوم به المعارضة مدعومة بمجموعات الإعلام البرازيلية المهيمنة وقضاة مسيسون.
وفي الأول من مايو وهو ذكرى الاحتفال بيوم العمال وقفت الرئيسة البرازيلية أمام حشد عمالي كبير في ساوباولو وخاطبتهم قائلة إن عزلها من منصبها سيفتح المجال لتفكيك قوانين العمل التي حماها ملايين العمال في البرازيل، وإنه علاوة على تخفيف قواعد قانون العمل فإن الإطاحة بها من منصبها ستضعف برامج الرعاية الاجتماعية، وأن الجهود الرامية لمساعدة المصنعين المحليين على المشاركة الفاعلة في خطة تنقيب ضخمة عن النفط في البحر ستتأثر هي الأخرى، وأضافت "ليس هذا انقلابا على حكومة منتخبة ديمقراطيا وحسب.. بل هو انقلاب أيضا على حقوق لعمال هذا البلد اكتسبت بشق الأنفس"، وأنها ضحية "انقلاب" خطط له رئيس مجلس النواب، إدواردو كونيا بالتعاون مع نائبها ميشيل تامر، لكنها أكدت أنها "ستناضل" كما كانت تفعل في حقبة الديكتاتورية وستقاوم وتناضل حتى النهاية.
وأعلنت رئيسة البرازيل زيادة المخصصات لبرنامج الحكومة لمكافحة الفقر، محذرة من تولي نائبها ميشيل تامر المنصب حال إقالتها من منصبها، لأنه سوف يقضي على جزء من هذه البرامج الاجتماعية، وسيضر بحقوق العمال لصالح رجال الأعمال، كما أعلنت عن تقليص الضرائب على دخل العمال اعتبارا من 2017 وحذرت من نوايا تامر المستقبلية بشأن اتباع سياسة الخصخصة.
واعتبر زعيم كتلة حزب العمال في المجلس جوزيه غيمارايس أن "الهزيمة المؤقتة لا تعني خسارة الحرب"، بينما قال مدير العاملين بالرئاسة البرازيلية جاك واغنر، إن الحكومة "واثقة" من رفض مجلس الشيوخ اقتراح مساءلة روسيف، وأن تصويت مجلس النواب بتأييد المساءلة "يمثل نكسة للديمقراطية في البرازيل"، وأن معارضيها الذين لم يقبلوا قط إعادة انتخابها في 2014 "هم الذين نسقوا هذا الإجراء".
وقال ألفونسو فلورانس، قيادي برلماني عن حزب العمالي اليساري في مجلس النواب"من المدهش أن يتبنى حقوقي متخصص في القانون الدستوري كميشيل تامر موقفا انقلابيا علنا".
واستنفر الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا النقابات لمواجهة "الانقلاب" الدستوري الذي يستهدف كما يقول اليسار الحاكم الرئيسة ديلما روسيف المهددة بالاقالة في البرلمان، وفي حضور مئات النقابيين الذين يدافعون عن قضية حزب العمال الحاكم، قال دا سيلفا رمز اليسار البرازيلي، خلال لقاء عقد تحت شعار “دفاعا عن الديموقراطية” في ساو باولو، ان "هذا البلد لا يستطيع ان يقبل الانقلاب".
وترى روسيف أن رئيس مجلس النواب إدواردو كونيا، شريك أساسى مع تامر في الانقلاب عليها، متهمة اياه بالفساد خاصة وأن النيابة العامة البرازيلية وجهت له تهما في أغسطس الماضي، بتلقيه رشاوى بمبلغ خمسة ملايين دولار لتأمين عقود مع شركة النفط الوطنية البرازيلية "بتروبراس".
على الجهة الأخرى قال ميشيل تامر:"ما يجري في البرازيل ليس انقلابا أو محاولة لانتهاك الدستور.. بل إن 62 في المائة من البرازيليين يؤيدون إقالة روسيف"، وأعلن تامر عن تشكيل "خطة انقاذ"، وواصل سلسلة مشاورات مع عدد من السياسيين والاقتصاديين في إطار ترشيحات تشكيل حكومة جديدة يترأسها حال إتمام إجراءات عزل الرئيسة الحالية
وقال: "ما أقترحه هو تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تجمع كل الفرقاء بمن فيهم المعارضون، بوصف أن هذا هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة"، ويوضح أن هدفه سيكون، بدعم من القوى السياسية في البلاد: "تشكيل مجلس وزراء جيد لتقديم المشورة لي وضمان الإدارة الحكومية، ولمساعدة الاقتصاد على التعافي ووضع البلاد على المسار الصحيح، تحضيرا لانتخابات سلسة في عام 2018".
انقسام جماهيرى
وينقسم الشارع البرازيلي الى فريقين: الأول يؤيد الحكومة، ويقول إن عملية العزل هي انقلاب على الرئيسة روسيف، والثاني يدعي أنها هي وسلفها السابق في المنصب الرئيس لولا دا سيلفا والذي أدى اليمين لتولي منصب رئيس لديوان روسيف الشهر الماضي فاسدان، وتظاهر ملايين البرازيليين وبصفة خاصة من الطبقة الوسطى، للمطالبة برحيل روسيف، ما دفع اليسار المؤيد لروسيف إلى تنظيم تظاهرات مضادة كبيرة لتأييدها.
وفي برازيليا، أقيم حاجز بطول كيلومتر واحد وارتفاع مترين أمام مجلس النواب للفصل بين “مؤيدي الإقالة” و”معارضي الانقلاب” الذين يتابعون التصويت على شاشات عملاقة، وفي ريو دو جانيرو، اقامت السلطات جدارا يقسم شاطئ كوباكابانا الشهير إلى قسمين حيث تجرى تظاهرات مؤيدة وأخرى معارضة لروسيف في مواعيد مختلفة، وفي ساو باولو، شارك مليون شخص في التظاهرة التي جرت في جادة بوليستا وسط المدينة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة.
وتمركز متظاهرون حاملين لافتات كتب عليها «لولا سارق»، و«ديلما استقيلي» في وسط ساو باولو (جنوب شرق) معلنين عزمهم البقاء فيها حتى استقالة روسيف. في المقابل حمل متظاهرون آخرون لافتات تندد بتحيز الاعلام وتتهم ميشيل تامر بأنه "قائد الاتقلاب".
وتنتهج الحكومة البرازيلية منذ حقبة الرئيس السابق لولا دا سيلفا (2003-2011) برامج مساعدات مالية لنحو 14 مليون أسرة فقيرة للقضاء على ظاهرة التسول، وفي العقد الأخير كما تقول منظمات مستقلة بدأت البرازيل تخطو في الاتجاه الصحيح فيما يخص تحسين الاقتصاد والارتقاء بحياة الفقراء، وبدأ دا سيلفا فتح ملفات الفساد ثم جاءت روسيف لتكمل خطة المكافحة.
والانقسام الذى تشهده البرازيل هو في الأصل انقسام حول الفساد الذي أصبحت مكافحته حالة مضادة لتطور الدولة، فيرى بعض المسؤولين ان العقوبات التي ستطول الشركات المتهمة بالفساد سوف يعيق النمو ويتسبب بالبطالة وخسارة الدولة في حالة معاقبة هذه الشركات بالإغلاق، وقد اقر لولا دا سيفا ان “هذه المعركة ضد الفساد ضرورية للبلاد”، قبل ان يتساءل ان كان ممكنا محاربة الفساد بدون اقفال شركات أو التسبب بالبطالة.
فيما يرى مسؤولون أن المعركة ضد الفساد ينبغي أن تستمر، وأن تحتل درجة قصوى من الاهتمام الحكومي والقضائي واعتبر جيسنر اوليفيرا برفيسور الاقتصاد في مؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو، أن المعركة ضد الفساد اولوية، لكن يمكن التخفيف من انعكاساتها” على سبيل المثال من خلال عقد اتفاقات او تساهل مع الشركات المتهمة تسمح بمعاقبة المسؤولين لكن من دون ابعاد المجموعات عن استدراجات العروض العامة، والأهم من ذلك يتمثل برأيه في وجوب “تحسين الحوكمة” داخل الشركات أكانت العامة او الخاصة.
مصير شبه محسوم:
رغم سعي روسيف لتعطيل اجراءات عزلها، إلا أن الأمر يبدو شبه محسوم بعد إعلان 46 عضوا في مجلس الشيوخ البرازيلي، المكون من 81 عضوا (سيناتورا)، اعتزامهم التصويت لصالح مقترح مجلس النواب بمحاكمة الرئيسة الحالية للبلاد ديلما روسيف المتهمة بالتورط في قضايا فساد، وهي نفس التهم التي يواجهها ميشيل لكنها ليست قيد التحقيق، حيث تشير الإحصاءات إلى مواجهة 60% من المشرعين البرازيليين تهما من هذا النوع.
وبدأت المحكمة العليا في البرازيل مطلع الشهر الجارى فتح تحقيق جديد ضد رئيس مجلس الشيوخ رينان كاليروس، بتهمة التورط المحتمل في شبكة فساد وتلقيه رشاوى لإقرار إجراءات في البرلمان، وأمرت القاضية كارمن لوسيا بفتح التحقيق أيضًا ضد عضو مجلس الشيوخ روميرو جوكا، رئيس حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وأحد المقربين من نائب الرئيسة ديلما روسيف، ميشيل تامر الذي يُفترض أن يخلفها في صورة إقالتها.
تعدد الاتهامات للسياسيين البرازيليين بما فيهم ميشيل تامر ومن يقفون ضد الرئيسة الحالية، روسيف حتى الآن غير متهمة بالضلوع المباشر في أي عملية فساد، بل بالتلاعب بأرقام الميزانية للتخفيف من تأثير العجز والأزمة الاقتصادية، واقتراض إدارتها أموالا من البنوك الحكومية لتلبية وعودها بشأن النفقات الاجتماعية إبان حملتها الانتخابية عام 2014.
ويؤكد مراقبون أن هذه الحملة يشارك في دعمها "الصندوق الوطني للديمقراطية" الأميركي و"الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، وتقف وراءها شركات "وول ستريت" المالية، وتهدف إلى تأجيج أزمة اقتصادية تنهار معها قيمة العملة البرازيلية وتفتح الطريق أمام الشركات الأميركية متعددة الجنسيات لشراء الشركات الحكومية البرازيلية بأبخس الأثمان، وبخاصة شركات البناء البرازيلية الضخمة.