[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” حين نتأمل خارطة انتشار القوات الأميركية وقوات حلف الناتو هذه الأيام و منذ أكتوبر 2015 نتيقن أن هذه القوات تقترب من الحدود الروسية بلا ضوابط على سواحل البحر الأسود و بحر البلطيق إلى درجة تصدي القوات الروسية لطائرة استكشاف أميركية تحلق فوق سفينة حربية أميركية مدمرة من نوع AEGIS في مياه بحر البلطيق على بعد 100 كلم فقط من السواحل الروسية!”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى نفك ألغاز الأحداث المتعاقبة والتي تهز العالم بأسره اليوم من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه لا بد أن نترفع قليلا عن الخوض في التفاصيل الإقليمية المعقدة التي تمسنا مباشرة في حروب سوريا والعراق واليمن وليبيا رغم فداحتها ونقرأ معا ما يخطه اللاعبون الكبار لنا من مصير و ما يرسمونه لنا من خرائط شئنا أم أبينا و شاركنا أم تحملنا صاغرين. مهما عظمت معضلات الشرق الأوسط ستظل ثانوية هامشية أمام الذي يجري وراء الأستار في رقعة لعبة الأمم الكبرى وتغطيه التصريحات الدبلوماسية في عواصم العمالقة ويكفي أن نقرأ ما أوردته النشرية السرية الأميركية للاستخبارات (استراتيجيك ألرت) بتاريخ 21 أبريل 2016: العنوان هو حرفيا: مخاطر حرب شاملة تتأكد. وتقول النشرة: هل تخطط الولايات المتحدة لمواجهة نووية مع روسيا والصين؟ على الأقل هذا ما يعتقده محرر (نيويورك تايمز عدد 7 أبريل الجاري) حين كتب بأن الرئيس أوباما أذن بتعزيز الميزانية العسكرية النووية لبلاده بألف مليار دولار للعشر سنوات القادمة! وأضافت المجلة الجدية وذات المصداقية بأن هذا التعزيز المالي سيشمل توفير مئات القنابل النووية التكتيكية صنف B61-12 مع تمكينها من دقة أكثر في إصابة الهدف و تمديد مسافة رميها إلى آلاف الكيلو مترات. وتقول (نيويورك تايمز) إن روسيا والصين وبدون ضجيج إعلامي قررتا أيضا تطوير نفس الصنف من القنابل الذكية ولنفس الأهداف الاستراتيجية تحسبا لمستقبل غامض وخاصة توقعا لما عساه ينتج عن صناديق الاقتراع في (الشقيقة) الولايات المتحدة في يناير 2017 في حالة استمر المرشح المثير للجدل (دونالد ترومب) في الصعود صلب استطلاعات الرأي، وكما قررته انتخابات مدينة نيويورك التمهيدية منذ أيام وفي حالة فوزه بعرش البيت الأبيض وهو الرجل المغرد خارج السرب وغير المتردد في إعلان الحرب !!! وهو احتمال وارد لأن اللعبة الرئاسية أصبحت اليوم محصورة بينه وبين السيدة هيلاري كلنتون ! وتستنتج المجلة المحترمة بأن هذه العقيدة العسكرية الجديدة لواشنطن وموسكو وبيجين هي التي عوضت مع الأسف عقيدة (توازن الرعب) التي أبعدت شبح الصدام النووي بين العملاقين على مدى سبعين عاما من الحرب الباردة حيث كان السباق نحو التسلح النووي متوازيا ومتوازنا بين واشنطن وموسكو حتى أصبح التساوي في القوة أو في الخوف منها هو الرادع والواقي من مواجهة فعلية كادت تقع و لكن الرعب المشترك يمنعها. حين نتأمل خارطة انتشار القوات الأميركية وقوات حلف الناتو هذه الأيام و منذ أكتوبر 2015 نتيقن أن هذه القوات تقترب من الحدود الروسية بلا ضوابط على سواحل البحر الأسود و بحر البلطيق إلى درجة تصدي القوات الروسية لطائرة استكشاف أميركية تحلق فوق سفينة حربية أميركية مدمرة من نوع AEGIS في مياه بحر البلطيق على بعد 100 كلم فقط من السواحل الروسية! ولعل هذه التحركات الأميركية المريبة جاءت على خلفية رغبة دولة (ليتوانيا) في ضمان عدم العدوان الروسي عليها وهي التي قررت نصب بطاريات صاروخية أميركية على أراضيها في خطوة تعتبرها موسكو متهورة وغير مسبوقة ومخالفة للتوازن الاستراتيجي بين العملاقين. وتذكر (نيويورك تامز) بأن هذا الوضع المعقد على الجبهة الروسية يتزامن مع توتر ثان على الجبهة الصينية حيث وصل وزير الدفاع الأميركي (أشتون كارتر) خلال شهر مارس الماضي الى دولة الفيليبين مع وصول حاملة الطائرات الأميركية USS JHON C.Stennis والتي تذرع بحر الصين وتشارك في مناورات عسكرية أميركية فيليبينية مشتركة أرادتها واشنطن ومانيلا واسعة الانتشار الإعلامي و الدبلوماسي لأسباب توحي بأن خيارات أمريكا و حلف الناتو هي الأولوية للحضور العسكري أما النوايا الطيبة و المبادئ الإنسانية من أجل السلام فهي صالحة لكسب الوقت فقط (التعليق لنشرة استراتيجيك ألرت).
البديل عن هذه الاستعدادات الخطيرة للمواجهة كان اقترحها بداية الثمانينيات السياسي و رجل الاقتصاد الأميركي (ليندن لاروش) حين كان مستشارا للرئيس الأميركي الراحل (ريجان) ثم استقل بتيار سياسي تميز برفضه لما يسمى النظام العالمي الجديد وتنديده المتكرر بالاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني وتمكن هذا الرجل الجريء من توسيع حركته لتنتشر في الاتحاد الأوروبي لأن زوجته الألمانية السيدة (هلجا لاروش) تقاسمه ذات المباديء وكان لي الحظ أني تعرفت جيدا على (لاروش) و زوجته ودعياني للغداء في رنشه بـ(بنسلفانيا) ثم مرة أخرى التقينا في بيته في ألمانيا في ضواحي مدينة (فيسبادن) و تبادلنا الحديث طويلا حول مشروعه الكبير الذي أطلق عليه اسم (عودة طريق الحرير) وأعرف من خلال حديثي مع وزير خارجية الصيني السابق الذي زار الدوحة و تشاركنا معا في الحوار الصيني العربي الذي نجح في تنظيمه المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية بدولة قطر بالاشتراك مع جامعة الدول العربية والحكومة الصينية أعرف أن للصين دورا رياديا جديدا يمكن أن تؤديه بإعادة الروح لطريق الحرير وهو طريق يجوب العالم و يقيم الجسور و ينِشر مبدأ التعاون والتضامن عوض تغذية منطق الصدام والحرب. وقد أثرت شخصيا في جلسات هذا الحوار الدور الحاسم الذي قامت به الصين في عهد (ماو تسي تنج) حين نظمت مؤتمر (باندونج) في أندونيسيا سنة 1956زمن (أحمد سوكارنو) بحضور الزعيم المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي (بروز تيتو) والزعيم الهندي (جواهر لال نهرو) بزعامة رئيس الحكومة الصينية أنذاك (شوان لاي) و أنجب المؤتمر مجموعة عدم الانحياز بقوة وتحولت الى كتلة صامدة تتشكل من نصف البشرية لرفض الاستقطاب و التبشير باستقلال أيديولوجي واستراتيجي حقيقي جنب العالم الحروب والأزمات. هذه فلسفة طريق الحرير وهو طريق الخلاص لعالم متأزم مهدد بمخاطر الهلاك الجماعي.