**
قد تتعرض حياة الأفراد الى تغيرات اجتماعية مفاجئة غير محسوبة، بسبب تعرضهم الى أزمة معينة مؤدية الى تغيرات سلوكية سلبية في حياتهم، وقد تكون هذه الأزمة نفسية او اجتماعية تسبب تغيرات مفاجئة في حياة الفرد وينجم عنها ضرر نفسي او جسمي.
ويتفاوت مصدر ازمة من الازمات التي تثيرها العلاقات المتوترة بأحد الافراد الى الازمات التي تحدث مع الاسرة (كالطلاق او الهجر) او أي شكال من اشكال التفكك الاسري او مع السلطة القانونية، وقد تحدث بسبب ازمة صحية او في العمل .. وغيرها من انواع الازمات.
وللازمات النفسية والاجتماعية تأثيرات سلبية قد تكون حادة في كثير من ابعادها، انها تعجل بظهور بعض الاضطرابات النفسية لدى الافراد الذين يتعرضون لها، وبشكل خاص الافراد الذين يكون لديهم استعداد مسبق للإصابة، وكذلك انها تسبب الاصابة بالاضطرابات التي تصيب الوظائف الجسمية (الاضطرابات النفسجسمية). (Psychosomatic Disorders)، فضلاً عن الاضطرابات النفسية والعقلية المؤقتة او الدائمة جراء التعرض للازمات، وتتفاوت الاضطرابات الناجمة بتفاوت نوع الأزمة النفسية او الاجتماعية، أن الانسان يواجه الكثير من المواقف او الاحداث التي تتضمن خبرات غير مرغوب فيها أو مهددة له، بحيث تتعرض حياته للخطر نتيجة ذلك، لذلك فقد اهتم علماء النفس بأحداث الحياة بوصفها مدخل لدراسة الازمات النفسية التي تنعكس على الحالة الجسمية والنفسية للإنسان، إذ تؤدي الأحداث المزعجة أو الصادمة الى تغيرات جسمية ونفسية تعد الفرد لمواجهتها، وقد اكد علماء النفس بهذا الجانب ان احداث الحياة الضاغطة والاكثر شيوعاً هي الازمات النفسية والذكريات المأساوية التي يمر بها الفرد مثل فقدان شخص عزيز او المشكلات الزوجية او المالية او الشخصية او الوقوع ضحية جريمة كالسرقة او الاغتصاب او التعذيب او التشويه .. وغيرها.
وهذا بطبيعة الحال يأتي من الواقع في ان حياة الانسان تعج بالوان شتى من التناقضات والازمات، بحيث تمثل كل ازمة تحولاً مفاجئاً ينطوي عليه تهديد مباشر لقيم ومصالح الفرد مما يستلزم معه ضرورة اتخاذ قرارات سريعة في وقت ضيق، وفي ظروف عدم التأكد وذلك حتى لا تتفجر هذه الأزمة، ولهذا نجد انه في جميع الحالات توجد أساليب متنوعة للتعامل مع كل موقف بحيث يجري احتواء الأزمة بمعنى الاحاطة بها والسيطرة عليها ومنع انتشارها، وهذا يعني ان التعامل مع الأزمة لا يمكن ان يكون الا في اطار من العشوائية والارتجالية او بسياسة الفعل ورد الفعل، بل يجب ان يخضع التعامل مع الأزمة للمنهج العلمي السليم لحماية الفرد من ايه تطورات غير محسوبة، يصعب على الفرد احتمال ضغطها ، وهذا المنهج ينبغي ان يقوم على التخطيط والتنظيم.
وقد اكد المختصون بهذا المجال انه يمكن اعتماد استراتيجيتين لتقليل تأثير احداث الحياة الضاغطة وازماتها لدى الافراد الذين يتعرضون تتمثل الاستراتيجية الاولى بالإقناع الكامل بواقع الحال الذي هو عليه من اجل ايجاد تفكير يخلو من الشعور بالاضطهاد والايمان بقدر الله والرضا وغيرها وبالتالي التمتع بالصحة النفسية نظراً لما تتركه من آثار سلبية على شخصية المصاب نتيجة للازمة المؤلمة التي يمر بها، وتتمثل الاستراتيجية الثانية بالقوة الاجتماعية التي تعتمد عليه شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد مع الآخرين، وتكمن أهمية هذه الاستراتيجية في انها يمكن ان تساعد الفرد في معالجة الأزمة ، لان شدة الاصابة التي يعاني منها تساعد على ظهور الآثار السلبية على شخصية الفرد، ومدى قدرته على اشغال المكانة الاجتماعية بسبب ما حدث له من اختلال شديد في الاتزان الانفعالي، وبغض النظر عن صحته النفسية ،فمثلا وجد انه من النادر جداً ان ينجح ذوي الاعاقة لوحده في اعادة تكيفه مع بيئته باكتشاف الامكانيات الباقية له، ومدى تقبله لوضعه الجديد، ففي اغلب الحالات قد يشعر بالعجز او القصور، او يميل الى العزلة والانطواء او يميل لحياة المبالغة والتهويل في اصابته.
ويكتمل التأثير الفعلي الناجح لأثر هاتين الاستراتيجيتين في التقليل من التأثيرات السلبية اللازمة بعدم وضع تفكير الفرد في احتمالات ضاعت منه او فقدها بل في اليات التعامل وفق الوضع الحالي فضلا عن ضرورة وجوده مع أناس داعمين له فالشعور بالصلة الاجتماعية التي تمنحه القوة الاجتماعية يقود في نهاية الامر الى التفاعل الايجابي والشعور بالمودة تجاه الاخرين المحيطين به كونهم يعطونه من الدفء والامان وغيرها .
وعليه يجب ان يكون التعامل مع الازمات من خلال التدريب على مواجهة الازمات واليات التعامل معها بشكل فعال.

د. مها عبد المجيد العاني
نائب مدير مركز الارشاد الطلابي ـ
جامعة السلطان قابوس