نستفتح أولى قراءاتنا للأعمال التشكيلية بأحدث عمل فني للتشكيلية فخراتاج الإسماعيلية المعروض مؤخراً في المسابقة السنوية الحادية والعشرين للفنون التشكيلية بصالة الجمعية العمانية للفنون التشكيلية بمسقط، عمل إبداعي ينتمي إلى عالم الأخيلة ورمزية الأحلام أو ربما واقعاً عاشته الفنانة وآثرت أن تقدمه لنا وفق هذه الرؤية، عموماً مثل هذا العمل الرمزي يؤثر بشكل أو بآخر على مشاعر اللذة والألم عندنا في آن واحد وتعتمد قوة الأثر على الحالة التي نكون عليها لحظة الاستجابة إليه، ومع إطالة الإمعان ترتقي رموزها لتلعب دور الفارس محققة معها درجة الإمتاع العليا التي نستمدها من بين ثنايا عالمها الخيالي الجميل وحتماً ستعطينا مدلولا ومغزى مميزاً إذا ما صادفت صدقاً حقيقيًّا في التلقي، وذوي الأذهان البالغة العمق ستجدهم الأقرب إلى تحقيق المتعة الكاملة عند تأملها .
إن الرموز التي استخدمتها فخراتاج (الرمانة والرصاصة) لتوضيح فكرتها برغم بساطتها حتماً حددتها الحاجة إلى إبراز نشاط نفسي عندها في صورة تفكير خيالي، ووقوع رموزها في عالم يشبه عالم الفضاء المتناهي العمق الذي تنفجر فيه النجوم والمجرات، فله الآخر دلالة حسية تؤكد على مدى الترابط البنائي بين العالم الذي يلف رمزها بما خلفه. ومن الواضح أن فخراتاج كانت قبل أن تمس اللوحة بفرشاتها ترى بعين خيالها هذه الهيئات بمنتهى الدقة فوحدة التفاصيل والمزاج الكلي يبدو أن كلاهما كان محدداً في ذهنها من قبل بدقة بالغة. إننا من النظرة الأولى التي نرمق بها هذا العمل نرى انغماساً مفرطاً في تعبيرية انفعالية تستحق الإعجاب فهي تقدم لنا ردود فعل عاطفية عندما نتأمل عملها ونستشعر مفرداته، فالرمانة قبل انفجارها كانت تشكل كتلة حقيقية متماسكة تحمل في جسدها حبيبات متجاورة بلونها الجميل المميز نعم تقطعها أغشية داخلية ولكنها رقيقة وشفافة، وهكذا هو الحال في جسد الإنسان وكيانه، لديه عالم معقد التركيب في أجزائه ولكنه رقيق الحس ومرهف الوجدان تقتله أدنى كلمة وتبعثره أدنى فكره، وقد تهوي به سلوكيات البشر عديمي الحس والضمير برصاصة فتحيله أشلاءً، منهيةً بذلك التصرف حياة كانت مليئة بالتفاعلات الجميلة في قيمها الإنسانية والروحية وفي تناغمها الحميمي العاطفي الأصيل، ووتراً خفيًّا كان منتظراً على أحر من الجمر كي يهتز، ولكن فاجأته الحياة برميتها القاسية التي اخترقت ذلك الكيان وفجرت كل معطياته.
ودائماً يقال "الفن ترجمة للحقيقة لا بالمفاهيم ولكن بحدس الإدراك، لا من خلال واسطة الفكر وإنما من خلال واسطة الأشكال الحسية، وهو اكتشاف وتأسيس لعالم جديد من الأشكال، والشكل شيء معقول، لكن الفن تغيير وتحويل مستمر للشكل عن طريق قوىً حيوية غريزية لا تستند إلى شيء سوى الحس والوجدان".

عبد الكريم الميمني
[email protected]