لعل أبرز التحديات التي تواجه الحكومة هي توفير فرص عمل لشبابنا الباحث عن عمل، مع الوضع في الاعتبار أن السلطنة من الأمم الفتية، حيث تشير آخر الاحصائيات إلى أن 30% من العمانيين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، وهو رقم يوضح بشكل جلي، حجم التحدي وعظمه، خصوصا مع الوضع في الاعتبار، أن الوضع الاقتصادي الحالي يفرض بطأ في التعيينات بالقطاع الحكومي، الذي يبلغ نسبة الشباب المشتغلين به حوالي25% من اجمالي عدد المشتغلين في العام 2015م فيما بلغت نسبة الشباب المشتغلين بالقطاع الخاص حوالي 43 بالمائة فقط من إجمالي المشتغلين العمانيين في القطاع بمستوى رضا وظيفي بلغ 64 بالمائة لعامي 2014 و2015 ويشعر 77 بالمائة منهم بالأمان الوظيفي، وهي نسبة مرضية في الوضع الحالي.
إن انخفاض أسعار النفط وتداعياته يفرض التفكير خارج الصندوق، والبعد عن التفكير النمطي في مجال التوظيف، خصوصا في مجتمع يدخل الى سوق العمل به سنويا الآلاف، حيث يحتاج هؤلاء لوظائف حقيقية في كافة القطاعات، وبرغم ما حققته الدولة خلال الخمس سنوات الأخيرة من نجاح لافت استطاع استيعاب 167 ألفا و383 مواطنا ومواطنة في وظائف بالقطاعين العام والخاص، وذلك وفقا لبيان أصدرته الهيئة العامة لسجل القوى العاملة حول الملتحقين بالعمل في القطاعين العام والخاص خلال الفترة من 2011م و2015م، بواقع 33 ألف وظيفة سنويا، وهي نسبة مرضية، لكن الأرقام تؤكد أن 135 ألفا و479 من هؤلاء تم تعيينهم في القطاع الحكومي بشقيه المدني والعسكري، وهي نسبة عالية يصعب استمرارها في السنوات المقبلة، حتى لا يحدث ترهل في الجهاز الحكومي والإداري للدولة.
وتتسق هذه المخاوف مع التوجه الحكومي الذي يثبت أن صانع القرار في السلطنة يدرك مقدار التحدي، ففي استعراض بسيط لمرتكزات وأهداف خطة التنمية الخمسية التاسعة نجد أن الخطة أخذت في الاعتبار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي تأتي في مقدمتها التنمية الاجتماعية خاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن وبما يتيح المزيد من فرص العمل وبرامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الانتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي، وقامت في سبيل ذلك برصد التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة خاصة في ضوء المتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي وما يتعلق منها بالتقلبات في أسعار النفط العالمية والأوضاع الجيوسياسية الإقليمية وتأثيرها على المستوى الدولي والانعكاسات السلبية لذلك على الأوضاع المالية للسلطنة مما يستدعي مواجهة ذلك بإجراءات مناسبة تضمن استدامة الأوضاع المالية وتوفير مناخ اقتصادي كلي مستقر بجانب توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب الباحثين عن عمل حاليًّا والداخلين لسوق العمل خلال فترة الخطة الخمسية التاسعة.
إن إدراك أصحاب القرار وتركيزهم في الخطة الخمسية التاسعة على توفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي من خلال تعزيز التعليم والتدريب والصحة وتنمية الموارد البشرية وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية، يدرك الواقع ويصنع الفارق للمستقبل، فهذه الأهداف وحدها ستؤدي الى تعميق التنويع الاقتصادي عبر تطوير القطاعات الواعدة كالصناعة التحويلية، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين.
ويبقى الدور الأكبر في المستقبل المنظور لتمكين اليد العاملة الوطنية وزيادة نسبة التعمين على عاتق القطاع الخاص، حيث تسعى الحكومة إلى طرح عدد من المشروعات ليتم تنفيذها من قبل القطاع الخاص أو بالشراكة بينه وبين القطاع العام، مثل الأعمال المتعلقة بمشروع القطار والمنشآت السياحية بميناء السلطان قابوس ومشروع ميناء شناص ومشروع ميناء خصب والمنطقة اللوجستية في جنوب الباطنة والمنطقة الاقتصادية في الظاهرة بجانب عدد من المشاريع السياحية وعدد من المشاريع المتعلقة بالقطاع السمكي، ويبقى الأمل في توسيع دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونسبتها في الاقتصاد الوطني، كونها تتسم بقدرة عالية على التوظيف مقارنة بالمؤسسات الكبيرة، بالإضافة إلى أنها تتوزع بشكل جغرافي عادل يوزع التنمية على كافة القطاعات، حيث وفرت المشاريع التي مولها صندوق الرفد والبالغ عددها 1668 مشروعا، أكثر من 3 آلاف فرصة عمل، وهي نسبة لابأس بها ندعو إلى التوسع في تلك الطموحات، حتى تتواكب مع طموح الشباب، الذين يمثلون ثروة عمان الحقيقية.