[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
أن يواصل كيان الاحتلال الصهيوني عربدته ضد المدنيين الفلسطينيين العزل في القدس والضفة المحتلتين وقطاع غزة ليس حدثًا جديدًا، لكن أن تتزامن هذه العربدة بتلك الصورة المستفزة والمؤلمة مع ذكرى حادثة الإسراء والمعراج هذا هو الجديد في الرسائل التي يريد أن يبعث بها الكيان الغاصب إلى الأمتين العربية والإسلامية بأن هذه العربدة ما هي سوى نتيجة صغيرة من نتائج كبرى قادمة لمستجد علاقات التبعية والتطبيع التي توارت عن الأنظار عقودًا، وأن هناك خريطة تحالفات وعلاقات جديدة في عمقها كيان الاحتلال الصهيوني وقوى وأنظمة عربية وإقليمية باتت تنظر إلى الكيان المحتل أوكسجينًا تتنفسه، وتربط مصيرها وبقاءها بمدى ما تقدمه من خدمات إجبارية وطوعية في سبيل حمايته والذود عن حياضه. ومع مواصلة "الحريق العربي" نشر حرائقه في المنطقة، إلا أنه لا يزال يوالي كشف الكثير ما ستره غابر السنين، حيث تتساقط الشوائب والخبائث والعوالق من جسد الأمة الذي رانت عليه، لتبين مدى ما أصابها من تآكل وضمور.
على أن تسخين كيان الاحتلال الصهيوني الوضع الفلسطيني بتصعيد الإرهاب الممنهج على الشعب الفلسطيني الأعزل في القدس والضفة الغربية المحتلتين وفي قطاع غزة المحاصر، قد يكون ردًّا عنيفًا على السلطة الفلسطينية لتلويحها بالاستقالة من وظيفة الشرطي الحارس لقطعان المستوطنين ووقف التنسيق الأمني مع الكيان المحتل لرفضه المبادرة الفرنسية المتمثلة في عقد مؤتمر دولي للسلام، إلا أن التصعيد الإرهابي الإسرائيلي ليبلغ مستوى لافتًا بشن عدوان متكرر على قطاع غزة ومواصلة الإعدامات الميدانية وحملات الاعتقال العشوائي وانتهاك حرمة المسجد الأقصى وتسريع وتيرة الاستيطان والتهويد، يشي بأن علاقات التبعية الجديدة من مقتضياتها التخلص من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لكونها تمثل عبئًا وصداعًا مزمنًا لكيان الاحتلال الصهيوني، وقد تشل حركته إذا قرر ذوو العلاقات الجديدة شن عدوان خارج فلسطين المحتلة، أو ربما يشي بإعداد سيناريو ما يتضمن معاقبة المقاومة الفلسطينية على حفاظها على علاقات طيبة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولرفضها (كليًّا وجزئيًّا) أن تكون إحدى أدوات "الحريق العربي" الهادف إلى إنجاز مشروع تدمير وتخريب الدول العربية التي تقاوم سياسات الاحتلال والاستعمار وتدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته في نضاله لاستعادة حقوقه المسلوبة؛ حيث تزامن هذا التصعيد مع ما شهدته طهران مؤخرا من لقاءات بين القيادات الإيرانية، بينهم قائد الثورة الإسلامية آية الله على خامنئي، وعدد من قادة المقاومة الفلسطينية من بينهم رمضان عبدالله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي والوفد المرافق له، أكدت القيادات الإيرانية خلالها موقفها الثابت من القضية الفلسطينية و"استمرار إيران في دعم الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة التي تخضع للظلم"، في حين أكد رمضان عبدالله شلح بدوره "استمرار وقوف إيران إلى جانب الشعب الفلسطيني"، وأن "الاحتلال الإسرائيلي سيبقى العدو الأول للجمهورية الإسلامية". ولم يخفِ شلح في مقابلاته الإعلامية أثناء العدوان الإرهابي الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014م أن ما تتزود به المقاومة الفلسطينية من الرصاصة إلى الصاروخ يرجع الفضل فيه ـ بعد الله ـ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولهذا هناك شكوك في أن تكون زيارة شلح لأجل مزيد من الدعم الذي يتهم السودان بأنه ممر له.
لذلك ما يحصل ليس من قبيل المصادفة وإنما له أشياؤه وأهدافه وتحركاته، حيث هناك معطيات تزامنت مع العدوان الإسرائيلي الإرهابي على قطاع غزة، وتصعيد نبرة العداء والإرهاب ضد المحاصرين في القطاع، ومن بين هذه المعطيات:
أولًا: رسو سفينة مساعدات أميركية، بالساحل السوداني على البحر الأحمر الخميس الماضي، تحمل 47 ألف طن متري من الذرة تقدر قيمتها بـ(35) مليون دولار. وكما هو معروف عن المساعدات الغربية أنها تكون ذات طبيعة سياسية واستخبارية وتبشيرية، وفي وضع كالسودان الذي يتهم بأنه معبر الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية يبدو أن الولايات المتحدة تحاول ضبط الدور السوداني وترويضه بوسائل عدة منها المساعدات الإنسانية والرقابة الاستخبارية والتدخل في الشأن الداخلي من مدخل السياسة.
وفي السياق، ثمة زيارات إلى السودان قام بها مسؤولون خليجيون، وربما محور الزيارات يتركز على وضع النظام في السودان في صورة مستجدات الأوضاع والعلاقات الجديدة خاصة وأنه يسعى إلى البقاء إلى العام 2020م وهذا البقاء له ثمنه الذي يجب أن يتحمله، بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدمه البترودولار من أموال، وتخلي النظام عن أي تعاطف مع الشعب الفلسطيني ومقاومته بحكم الامتداد الآيديولوجي أو العروبي.
ثانيًا: تدمير أنفاق مع قطاع غزة بالتزامن مع غارات إرهابية إسرائيلية على القطاع، وهذا ربما من قبيل المصادفة، إلا أن كيان الاحتلال الصهيوني ـ كما يبدو ـ استطاع أن يجند إرهابيين في الداخل الفلسطيني، كما في الخارج لخدمة أهدافه، وذلك بتوجيههم للمس بالأمن القومي المصري لاتهام المقاومة الفلسطينية بالجريمة من أجل إجبار القاهرة على اتخاذ مواقف أكثر تشددًا حيالها.
من الواضح أن العلاقات التي عجَّلت نيران "الحريق العربي" بفضحها مقدمة على الكثير من التدمير والتخريب وضرب المنطقة واستقرارها وأمنها، ودفع كلف وأثمان باهظة خاصة من قبل ذوي علاقات التبعية الجديدة سترهقهم كثيرًا، لكنهم سيكونون كمن تآمروا عليه، بل وأشد تنكيلًا.