تراوغ الجدران لتسلط الضوء على جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني
دمشق ـ من وحيد تاجا
حاولت الأديبة الشابة نسب اديب حسين في مجموعتها القصصية (مراوغة الجدران) تسليط الضوء على مسألة دروز فلسطين لأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، وهناك حاجة لتناول قضيتهم وطرحها.. والاديبة نسب اديب حسين من مواليد الرامة في الجليل الفلسطيني ، وعمها الناقد الدكتور نبيه القاسم... وابن عم والدها الشاعر سميح القاسم .. درست الصيدلة في الجامعة العبرية في القدس ، وأصدرت رواية "الحياة الصاخبة" عام 2005 وهي في الثامنة عشرة من عمرها ، و صدرت لها مجموعتان قصصيتان بعنوان"مراوغة الجدران" و "أوراق مطر مسافر" ، أنشأت مع الكاتبة مروة خالد السيوري نشاطا أدبيا شهريا حمل عنوان "دواة على السور" ، يجمع الأدباء الشباب في القدس، كما افتتحت متحفا في بلدتها (الرامة) يحوي عددا من المأثورات الشعبية.

* يبدو أن علاقة القربى التي تربطك بالشاعر الكبير سميح القاسم والناقد الدكتور نبيه القاسم تلاحقك رغم محاولتك عدم ذكرها او الإشارة إليها حتى في الاسم.. ما قولك .. بالتالي هل انعكست هذه العلاقة على إبداعك المبكر ..؟

** بداية أنا بالطبع أفتخر وأعتز بعميَ نبيه وسميح، إنَ عدم ذكري لعلاقة القربى لا يعني أنني أتملص منها بل إنني لا أذكرها لتعريفي عن ذاتي، لأنني أحب أن يحكم الآخرون علي لشخصي ولمادتي الأدبية دونما علاقة بأي عامل آخر، ولأنني أحبُ أن أتقدم وأصل باستحقاقي الذاتي ودون دعم أحد. إنّ بداية ولوجي لعالم الأدب كان بدافع واهتمام شخصي، فقد أحببت المطالعة بشكل كبير الى درجة كانت تزعج أمي أحيانًا.. تلك المطالعة ساعدتني على التعبير عن نفسي بالكتابة، وعندما بدأت أنشر في مجلة مدرستي "الشعلة" لفتت كتاباتي انتباه القراء ولفتت انتباه عمي نبيه الذي كان مشرفًا على المجلة، فكان يوجه لي الملاحظات عند النشر. بعد تلك المرحلة ومع انتقالي الى القدس بقي عماي يطلعان على كتاباتي ضمن ما أنشره في وسائل الاعلام ويقدمان لي تعليقاتهما أحيانًا سواء كانت سلبية أم ايجابية، وبالطبع بوجود نموذجين مثلهما في عائلتي فإن هذا يرفع من سقف طموحي وسعيي.

* لقيت مجموعتك القصصية الأولى اهتماما واضحا من قبل النقاد والقراء في الداخل الفلسطيني .. ولكن الجميع اتفقوا ان النفس الروائي يطغى على قصصها بشكل لافت، من حيث البناء القصصي أو الزمان الذي تدور فيه القصة.. حتى من حيث طول القصص التي تجاوز بعضها 80 صفحة .. ما قولك ..؟

** أجل لقد قيل هذا في قصص مجموعة مراوغة الجدران، خاصة أنّ قصة "مراوغة الجدران" كانت أقرب ما تكون الى الرواية منها الى القصة الطويلة، لكنني كنت قد أصررت على ضمها إلى المجموعة التي كنت قد بدأت بكتابتها منذ سنين، وحذفت بعض قصصها. إنني أحب كتابة الرواية ويهمني أن أطور الحس الروائي، لكن ضيق الوقت يحول دون هذا. مع ذلك أعتقد أنني لن أسمع هذا الرأي إن أصدرتُ القصص التي كتبتها مؤخرًا في كتاب.

*هل لطفولتك أي علاقة بمضامين القصص والتي جاء معظمها اجتماعيا بامتياز يتحدث عن غياب الأب او الأم والطفولة ومسؤولية الاخ الكبير.. مشاكل زوجة الاب مع الأبناء ، بمعنى آخر الى أي مدى كانت السيرة الذاتية للأديبة نسب حاضرة في مجموعتها تلك..؟

** يبقى الكاتب ابن بيئته ولا بدّ أن تنعكس حياته الشخصية بتأثيراتها على كتاباته ولو بصورة بسيطة، فليس بالضرورة أن تكون كل شخصية كتبها الكاتب تقص قصة أو حادثة حدثت معه، فلا بدّ أن يطلق الكاتب العنان لخياله لبناء شخصيات جديدة، وسيستطيع أن يعبر عن مشاعرها بصورة أفضل إن تواجدت في حالات أو مواقف تتشابه وظروف واجهته. في المجموعة انعكست تأثيرات طفولتي بشكل ما، لكن أيضًا اعتمدت على خيالي في كثير من الحالات.

* لفتت نظري أسماء قصصك التي تضمنتها مجموعتك القصصية والتي تحمل تضادا ورمزية كبيرة مثل (مراوغة الجدران).. (عاصفة في شراع ) .. ( كلمات تتلعثم في الصمت) ..والسؤال كيف تختارين أسماء قصصك ..؟

** ليست هناك آلية معينة، إنها لحظة فارقة في النص، يهمني كثيرا أن أختار عناوين مميزة تثير اهتمام القارئ وفضوله. أحيانًا يخطر لي العنوان قبل الكتابة وأكتب على أساسه، وأحيانًا أثناء الكتابة، لكن إن لم يكن هذا فأحتاج بعد الانتهاء من النص الى هدوء وتركيز لأخرج بعنوان يرضيني، وأحيانًا أؤجل نشر مادة انتهيت من كتابتها لمدة طويلة طالما لم أصل الى عنوان يرضيني.

* في ذات السياق.. ما هي الجدران التي قصدتها بالتحديد ووجدت انها (تراوغ) كما الثعلب ..هل هي جدران الحدود ، أم جدران الديانات ، أم الجدران الاجتماعية ، أم هي جدران التوسع الاحتلالي، وجدران الحروب والكراهية؟

** هي كل هذه الجدران التي ذكرت بدءا من الجدار الفاصل الذي يقسم وطني، مرورًا بالحدود مع الوطن العربي الذي تمنعني من رؤية أخوالي في لبنان منذ اثني عشر عامًا، وحتى الجدار الوهمي الذي قد يمنع أشخاصًا يحيون في ذات البيئة من الإفصاح عن محبتهم وتقديرهم لبعضهم.

* اتسمت قصصك بشكل عام بالواقعية.. والسؤال هل يمكن للكاتب أن يكتفي بأن يكون شاهد عيان،..أم لابد دائما من جرعة من الخيال في أعماله؟

** أولا اتسام القصص بالواقعية لا يعني أنّ الكاتب هو شاهد عيان، لكي تكون بين أيدينا مادة أدبية تستحق الاهتمام فيجب علينا أن نشعر بروح الكاتب فيها، بأنه يتماهى مع نصه، ولا يقدمه كشاهد عيان، كمشرف خارجي لا علاقة له بنصه.
ثانيًا الكتابة عن واقع حياتنا لا تعني بالذات افتقاد الكاتب عامل الخيال، فالكاتب يحتاج خياله لينسج شخصية من روح ودم تقنع القارئ أنها موجودة على أرض الواقع وتحيا في بيئته وتواجه ظروفًا تشبه التي يواجهها لكنه مهما بحث لن يجدها هي ذاتها، وهنا تصبح مهمة الكاتب الذي يكتب رواية أو قصة واقعية أصعب. مثلا في قصة مراوغة الجدران هناك عدة كُتاب ظنوا أنّ شخصية البطل وائل هي شخصية حقيقية وأنني أكتب سيرة شخص ما أعرفه، وبحثوا أو توجهوا بالسؤال عن حقيقة الشخصية، لكن الواقع أنّ هذه الشخصية هي خيالية بحتة أوجدتها ووضعتها في ظروف واقعية. كذلك لا بدّ لخيال الكاتب المبدع أن يلعب دوره ويأتي بصور غير واقعية (جمالية) حتى عند حديثه عن أمر واقعي.

* لماذا تلجئين أحيانا إلى النهاية المفتوحة في بعض قصصك مثل (عاصفة في شراع) .. الأمر الذي يعطي القارئ أكثر من احتمال كما في اللوحة التشكيلية ..؟

** إن النهاية المفتوحة هي فن من فنون ختام القصة والتي يمكن للكاتب اللجوء إليه، عادة لا أنتهج هذا الأسلوب لكن في هذه القصة بالذات عندما كتبت آخر كلمة فيها شعرت أنني لا أستطيع أن أضيف أي شيء آخر وقررت أن أتركها كنهاية مفتوحة، وبالتالي هو نوع من التغيير وهذا من حق الكاتب.

* كانت مجموعتك من الأعمال الأدبية القليلة، ان لم تكن الأولى، فانا لم أقرأ بعد عملا أدبيا ناقش مسألة الدروز الفلسطينيين على الصعيد الاجتماعي والسياسي.. فما الذي أردت إيصاله من هذا التناول .. ؟

** هناك قصة أخرى تناولت هذا الموضوع قبلي للكاتب الكبير سلمان ناطور، وكذلك توجد رواية أخرى صدرت بعد مجموعتي للكاتب علاء مهنا سلطت الضوء على هذه القضية. لقد حاولت تسليط الضوء على مسألة دروز فلسطين لأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، وهناك حاجة لتناول قضيتهم وطرحها، وأرى أنّ هذه الطائفة لم تعان فقط من احتلال صادر الكثير من أراضيها وفرض نفسه حاكما عليها، بل أيضًا حاول ويحاول أن يصادر هويتها وتاريخها، وبالطبع كل ما لحق الدروز من اختراع لقومية درزية وفرض الخدمة الإجبارية في الجيش الاسرائيلي كان ضمن سياسة ممنهجة في سبيل سلخ هذه الأقلية عن بقية شعبها وأمتها، إتباعًا لسياسة فرق تسد.

* ما سر هذه العلاقة بينك وبين القدس والذي كان واضحا جدا في قصة (مراوغة الجدران)؟

** القدس.. سكنتها فسكنتني.. أحاول منذ سنوات أن أعلم ما سرّ عشقي لهذه المدينة، ولم أستطع يومًا أن أصل الى سبب وحيد، فأنا أشعر بقيمة كل يوم أجدني فيه في أحضان هذه المدينة.. أحبها كمكان وكجمالية، الى حد الدهشة.. أحبها بحزنها وبفرحها، وأحب أهلها خاصة من يسّر لي القدر أن ألتقي بهم وأعايشهم خلال هذه المدة التي عشتها وأعيشها هنا، والذين يعاملونني كما لو كنت ابنتهم. بذا أشعر أنها مدينتي مثلما هي الرامة قريتي، وإن كنت أرى بالرامة إحدى عيني فالقدس هي العين الأخرى.

* تكرار الحديث عن المطر في مجموعتك (أوراق مطر مسافر) تشعر القارئ أن لمنظر المطر إيحاءات لا تستغني الكاتبة عنها. وتطرح سؤالا هو :هل يسافر المطر حقا ..أم أنَّ أوراقه تسافر..؟

** بالتأكيد أنّ للمطر الكثير من التأثير علي، فهو يسافر بين السحب والتراب في مسيرته الطويلة ودورته البيئية، وحين يسقط يبوح بالكثير.وكنت قد كتبت في مدخل الكتاب نصا ليوحي بما أردت من العنوان (المطر.. الحلم المعتق في جسد الغيم/ كلما ولد بحث مرة أخرى عن ولادة/ لا تنسيه الدروب أمل السحاب../ بل تلملمه رشفة/ في رسالة..)

* كانت ملفتة جدا وجميلة النهايات غير المتوقعة في قصص هذه المجموعة والتي تشكل إبداعا خاصا بحد ذاتها .. ؟

** أحاول دومًا الحفاظ على النسيج القصصي المتكامل وأن أبحث عن نقطة معينة للنهاية، تبقي صدى جميلا في نفس القارئ.

* حملت أكثر من قصة في (أوراق مطر مسافر) دعوة للبقاء والتشبث بالأرض والوطن ..لاسيما قولك في (وصايا الياسمين) لو أن الأهل صمدوا ولم يتركوا بيوتهم.. ما دخلها أشباح .. ولا احتلها دخيل مستوطن.. ولا كان في أشتات الأرض مخيمات لاجئين فلسطينيين..وقد فهم البعض انك تنتقدين أولئك الذين هاجروا.. ؟

** كلا لم أقصد هذا بهذه الحدة، فأنا على علم بالفظائع التي ارتكبها الاحتلال والقوة التي تمتع بها، في حين أنّ أبناء شعبنا لم تكن لديهم الذخيرة أو القدرة على المواجهة المتكافئة، بحيث أصابهم الهلع مما سمعوا، ومع الأحلام التي نسجتها القيادات العربية بحمايتهم، ظنوا أنفسهم خارجين لأيام قليلة وسيعودون.
لكن الأشباح تعود بأوجه أخرى.. لتبعث الخوف في النفوس وتحاول إضعافها وتقلل من قدرتها على التحمل والصمود. لقد كتبت هذه القصة بالذات عن قريتي بسبب الأوضاع الأمنية المتردية التي وصلت إليها في الآونة الأخيرة، وفقدانها لصورتها الجميلة التي طالما تحلت بها في السابق. هذا الوضع هو من مصلحة القوة الحاكمة التي لا تحاول أن تحل المشاكل العالقة أو تخفف من العنف الذي صار يسود أجواء القرية، بذا تغير التوجه للقرية أو التعامل معها، من قرية متألقة مصدرة للأدباء والفنانين والمتعلمين في جميع المجالات، إلى بؤرة عنف. صار الخوف يغلب على السكان، والتعامل اليائس مع الوضع ظاهر. وأنا لا أريد أن ينتصر الاحتلال مرتين، مرة في احتلال القرية، ومرّة في أن يتركنا لنفسح مجالا لهذه الأشباح بأن تسيطر على حياتنا وتدمر مكاننا وتشوهه. بل يجب التمسك بالصورة الجميلة للمكان وبرائحة الياسمين كي نسعى دومًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

* استوقفني في قصة " خيمة " طرحك للعلاقة مع الأخر (اليهودي) والمقارنة بين مفهومين وثقافتين متعاكستين للخيمة..وهو مايدعو للتساؤل عن رؤيتك لطبيعة العلاقة مع هذا ( الآخر) ..؟

** في ظل الظروف الحالية التي يعيشها الفلسطيني الصامد على أرضه المحتلة عام 1948، فإن العلاقة مع الآخر هي أمر مفروض ويومي شاء ذلك أم أبى. فلا بدّ أن يلقاه في الجامعة، في الشارع، في العمل أو في أي ميدان آخر. هذه اللقاء قد يحكم بتولد علاقة معينة.. هذه العلاقة وفي رأيي مهما وصلت الى تقارب إنساني، أو زمالة معينة، هي علاقة لا تتعدى ظروفها الآنية الإنسانية التعامل، وفي النهاية كل واحد عالم بالجهة التي يقف فيها، وينظر الى الأمور من منظوره وثقافته ومبادئه الفكرية. العلاقة اليومية التي تظهر في قصة الخيمة، تسلط الضوء على فتاتين زميلتين في الجامعة، الاثنتان تنظران الى الشيء نفسه وكل منهما ترى الأمر بشكل مختلف، ومن هنا تنبع الكثير من الحساسية والحدود في التعامل مع الآخر وهذا ما حاولت نقله أيضا في قصة (مع الريح وخلف العاصفة) في ذات المجموعة. كما أني أردت في هذه القصة أن أشير الى التمويه الذي يحصل اتجاه رموزنا الوطنية كالخيمة، والكوفية الملونة التي برزت في الأعوام الأخيرة والتي تموه وتقلل من القيمة الرمزية التي تحملها الكوفية الأصلية.

* بالتالي ..هل قدر الأديب الفلسطيني ان تكون فلسطين حاضرة دائما في إبداعاته .. شعرا أم نثرا أو فنا تشكيليا..؟

** نحن لم نكتف من فلسطين، نحاول سدّ الفراغ وإشباع نفوسنا بها إبداعيا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن الظروف الحياتية التي يحياها الفلسطيني تحتم عليه ذلك، وأنا لا أتحدث عن هذا من منطلق الشعارات.. كلا.. بل من منطلق الواقع الذي نعيشه. الوضع السياسي يفرض نفسه يوميًا، بحيث لا يمكن تجاهله، كيف وكم يمكن للمرء مثلا أن يكتب عن روعة البلدة القديمة في القدس، ولا يتطرق للجنود المتجولين هناك طيلة الوقت وان أراد أن يستمر في التجول ويتجه شمالا فسيقابله الجدار الفاصل والحواجز بين القدس والضفة الغربية فكيف سيتجاهل كل هذا. وأنا شخصيًا لا أؤمن بأدب أو بشخصية كاتب فلسطيني يقول (أنا لا أكتب عن الوطن أو عن السياسة)، ليس لأنه لا يقوم بواجب ما.. كلا، فإن كانت الكتابة نابعة فقط من باب الواجب فلن تكون مثمرة، بل لأنني سأشك بمصداقيته.

* أيضا، كان جميلا الربط الدائم بين موضوع معاناة الإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال مع نضاله وألمه بالحب .؟

** الإنسان الفلسطيني قبل أي شيء هو إنسان، صورة البطل وأطفال الحجارة أعتقد أنّها أثرت أيضا بجانب سلبي على صورتنا الإنسانية، بحيث حرمت الطفل طفولته، رغم أنّ هذا الطفل الذي يقذف عدوه بالحجارة، أيضًا من الممكن أن يذهب في ليلة أخرى الى المسرح، ويشاهد عرضا للدبكة ويغني ويصفق ويفرح، إنه إنسان. من هذا المنطلق أتعامل مع الوطن وشعبه، لأنّ العوامل الانسانية التي ذكرتَها هي جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن والشعب، ونحن بحاجة للتوغل في أعماق نفسية الفلسطيني وروحه، وعدم الاكتفاء بتسليط الضوء على الصورة الخارجية الظاهرة.

* في ذات السياق .. هل يمكن أن تحدثينا عن مشروعك الثقافي (دواة على السور)؟

** دواة على السور، بدأت كفكرة بسيطة، للقاء وحيد يجمع الأدباء الشباب في القدس رافقتني في تحقيقها صديقتي الكاتبة مروة خالد السيوري، لتصير مشروعًا وحلمًا أكبر لنا وللأدباء الشبان الذين انضموا إلينا، وكنا قد تعرف معظمنا على بعض من خلال ندوة اليوم السابع الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني. لقد جاءت الدواة لتحاول حلّ مشاكل معلقة تواجه الحركة الأدبية في القدس. فالطريق التي على الكاتب الشاب أن يشقها في بدايته هي طريق شاقة وليس من السهل الوصول الى قراء متابعين ومهتمين، خاصة عندما تصبح المطالعة نهجًا غير متبع. وبتواجدنا كمجموعة من الشباب معًا يمكننا أن نطرح أدبنا ونصل إلى الجمهور بصورة أفضل، هذا من جهة، من جهة أخرى نحاول الوصول إلى الجيل الناشئ وحثهم على القراءة وتقريب عالم الأدب البعيد عنهم إلى نفوسهم.. فنحن نحلم ونأمل أن نوسع شريحة القراء في مدينة القدس، من خلال التحاور والنقاش والتنقل من منطقة إلى أخرى، ومحاولة اكتشاف مواهب عند الناشئة أنفسهم ودعمها وعرضها. كما ونطرح في لقاءاتنا قضايا أدبية وأحيانًا تراثية للنقاش لكي يتعرف جمهورنا عليها ونقربهم إليها، مثل القصة الشعبية، أدب الأطفال، الأغنية الشعبية، أدباء فلسطينيون كبار.. ومن خلال الملتقى تمكنتُ بالتعاون مع زملائي من عقد أمسيات أدبية خارج مدينة القدس في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الغربية بهدف التواصل الأدبي. وهناك مشاريع أخرى لنا في الدواة لكن يحدها عدم وجود دعم مادي.أخيرًا أجد أن ملتقى كهذا من المهم أن يكون ويستمر في مدينة القدس بالذات لما تشهده من تهويد ثقافي.

* في هذا الإطار، كيف ترين الإبداع الشبابي في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ( الضفة والقطاع وأراضي الـ 48 ) .. وكيف تقيمين العلاقة بينهم وبين الأجيال التي سبقتهم ..؟

** أرى أنّ هناك أقلامًا واعدة، وهناك أقلام أثبتت نفسها على الساحة الأدبية، كذلك توجد بعض الكتابات الضعيفة . بالنسبة للعلاقة بينهم وبين الأجيال التي سبقتهم، فإنني أرى أنها علاقة تتمتع بروح التواصل والمتابعة من قبل الأدباء الكبار للكُتاب الشباب، وهنا تبرز أهمية تطوير وتفعيل الحركة النقدية، في تقديم نقد موضوعي وبنّاء للتفريق ما بين العمل الجيد والسيء. وهذا الأمر أيضًا يتوقف على الكاتب الشاب ذاته في سعيه وعمله على توسيع رقعة قارئيه من قِبل الأدباء الكبار والاستماع الى آرائهم ونصائحهم.

* ما هي أهم العقبات التي تعترض الأدباء الشباب في فلسطين المحتلة ..؟

** في ظل سهولة النشر وكثرة الكُتّاب من جهة وقلة القراء من جهة أخرى يتحتم على الكاتب الشاب أن يهتم كثيرًا بتطوير مادته ليُقدمها بصورة قوية ولافتة، ليتمكن من الحصول على الانتباه والمتابعة. وفي رأيي من أهم العقبات التي تعترض الأديب الشاب في فلسطين المحتلة هي الوصول الى القارئ والشارع العربي، رغم أن الانترنت والمنتديات الأدبية الالكترونية تساعد كثيرًا في هذا المجال، لكن الحدود تبقى واقعًا يفرض نفسه.

* أخيرا.. علمت أنك افتتحت متحفا في بلدتك (الرامة) ، يحوي عددا من المأثورات الشعبية، ..هل يمكن أن تحديثنا عن هذا المشروع ..؟

** المتحف هو عبارة عن بيت جدي القديم والذي يعود تاريخ بنائه لأكثر من ثلاثمئة عام. بدأ أبي المرحوم د.أديب حسين بترميمه قبل أكثر من عشرين عامًا، وفي أيلول 1993 توفي في البيت قبل أن يتم العمل. تقرر في العائلة أن يُستكمل العمل ليكون متحفًا على اسم أبي، لكن ولظروف عائلية لم يتم هذا. لأقوم مع مطلع عام 2006 بإتمام عملية الترميم لأفتتحه متحفًا تراثيًا في شهر حزيران من ذات العام. يجسد المتحف البيت الفلسطيني ويشمل العديد من المعدات التي استخدمت في الحياة اليومية، هذه المعدات توفر بعضها لدينا في البيت وقسم كبير قدمه عمي الشاعر سميح القاسم وشقيقه العم المرحوم قاسم القاسم، وهناك أشياء قليلة قدمها بعض زوار المتحف المهتمين. كما يشمل المتحف قسمًا آخر يعرض صورًا لتاريخ القرية وسكانها، هذه الصور كان أبي قد صورها وجمعها طيلة حياته، بالإضافة الى مكتبة تشمل الإصدارات الأدبية لأبناء العائلة (الشاعر سميح القاسم، الكاتب د.نبيه القاسم، الشاعر د.نديم حسين، الباحثة في اللغة العربية د.عالية قاسم أبو ريش، المحامي علي حسين، وأنا).المتحف يجسد تاريخ قريتي الرامة، لدينا العديد من المواد التي جمعها أبي وسأعمل على عرضها في المتحف، وعملت وأعمل على تطويره ليكون مركزًا ثقافيًا في القرية.