[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
”.. يذكر التوانسة (و المغاربيون عموما) أن معرفتهم بالجزيرة العربية حتى السبعينيات لم تكن تتجاوز فريضة الحج من خلال توديع واستقبال حجيجنا الميامين وبما يعودون به من أداء مناسك الحج من مسبحات وماء زمزم وبخور وسجاجيد الصلاة ولم نكن نعرف عن بلاد الحجاز غير أفلام مصرية قديمة بالأبيض والأسود عن صدر الإسلام وتعذيب بلال الحبشي بأيدي المشركين...”
ـــــــــــــــــــــ
تابعت كما تابع التوانسة زيارة رئيس حكومة بلادنا المهدي جمعة لخمسة من دول مجلس التعاون الخليجي الست وكان بودي تلقائيا أن تعلن حكومتنا على إثر هذه الجولة عن نتائجها وعن نجاح جمعة فيما فشل فيه أسلافه من رؤساء الحكومة منذ 14 يناير 2011 و لم يقنعني وزير خارجيتنا ولا الورفلي في اللقاء الصحفي الذي عقداه لتبيان النتائج ذلك أن علاقات بلادنا مع الخليج تعتبر أساسية بالنسبة لاقتصادنا وسياحتنا وسياساتنا بحكم ارتباطنا معها بعلاقات تقليدية منذ أيام بورقيبة وبن علي وبحكم التزامنا بميثاق جامعة الدول العربية وبطبيعة الاحترام الذي تحظى به تونس منذ استقلالها من قبل دول الخليج رغم أن تونس تعتبر لدى جانب هام من الرأي العام الخليجي دولة قريبة حضاريا من النمط الغربي الأوروبي وهو ما لم يقطع صلتنا برقعتنا الحضارية العربية الإسلامية ولم يفسد لودنا قضية مهما كان إصرار التغريب البورقيبي المتحدي بلا لزوم على قطع أواصرنا المشرقية والتوجه عموما للغرب في كل سياساتنا. فلبنان مثلا ظلت أكثر منا التحاما بالنمط الغربي بسبب مسيحية حوالي نصف اللبنانيين ولكنها كانت على مدى عقود مزار الخليجيين المفضل ومركز استثماراتهم قبل أن تعزلها عن هذه المكانة حرب أهلية طويلة وكذلك مصر برصيدها الثري من الثقافة والسبق الى الخليج منذ الخمسينيات بالرعيل الأول من المدرسين الرواد الذين شاركوا في تأسيس أولى المدارس والجامعات في الخليج حين كانت الحياة في الجزيرة العربية ليست باليسر الذي نعرفه اليوم وجاءت معهم أيضا طلائع الفلسطينيين بزادهم العلمي و المعرفي حين هجرهم اليهود من وطنهم و استقروا في بلاد الخليج مع أول عهد النفط إلى اليوم و اندمجوا في مجتمعاتها و خدموها بأمانة جيلا بعد جيل.
ويذكر التوانسة (و المغاربيون عموما) أن معرفتهم بالجزيرة العربية حتى السبعينيات لم تكن تتجاوز فريضة الحج من خلال توديع واستقبال حجيجنا الميامين وبما يعودون به من أداء مناسك الحج من مسبحات وماء زمزم وبخور وسجاجيد الصلاة ولم نكن نعرف عن بلاد الحجاز غير أفلام مصرية قديمة بالأبيض والأسود عن صدر الإسلام وتعذيب بلال الحبشي بأيدي المشركين وهو يردد :"أحد أحد "وانطلاق الفتوحات وبناء الخلافة الراشدة. وللأمانة التاريخية يجب أن نشير إلى حلقة محورية وفاصلة من تاريخ التعاون التونسي الخليجي عندما أوصدت دول أوروبا وفرنسا بالذات أبوابها وحدودها أمام اليد العاملة والكوادر التونسية والمغاربية عموما منذ أواخر السبعينيات فرفع الإتحاد الأوروبي في وجوهنا شعار (الهجرة صفر) بعد أن كان التونسيون لا يتصورون الهجرة للعمل إلا نحو الدول الأوروبية وفي بداية الثمانينيات عين بورقيبة صديقنا العروبي محمد مزالي رئيسا للحكومة ودعاني كما دعا غيري من رفاقه لمؤازرته وتحمل بعض المسؤوليات السياسية معه فاجتهدنا لنصرة اللغة العربية من غبن الفرنكوفونية اللقيطة واقترحنا على الحزب الدستوري رؤية سلمية مدنية للعامل مع التيار الإسلامي وأصلحنا ما استطعنا من أمر الإتحاد العام التونسي للشغل بمساعدة الطيب البكوس على إنقاذ المنظمة المناضلة في مؤتمر قفصة الذي حضرناه ومن جهة أخرى فكرنا مع الصديق محمد مزالي أيضا في طرق أبواب الخليج لتشغيل الفائض من الكفاءات التونسية في دول مجلس التعاون الذي أنشأ في نفس السنة التي تولينا الحكم فيها سنة 1981 فبادر الأستاذ محمد مزالي إلى تنظيم جولة خليجية رافقته فيها من جدة الى ابوظبي الى الدوحة الى المنامة الى الكويت ثم افردنا سلطنة عمان بزيارة فيما بعد. وإلى اليوم يعترف لنا أهل المروءة من المقيمين في الخليج بهذه المبادرة الكريمة التي تحولت اليوم الى ظاهرة وطنية جعلت التوانسة يساهمون في تنمية و تقدم الدول الخليجية الشقيقة وكما كان يقول لي شخصيا أحد أفضل قادة الخليج فإن التونسي يتميز بالكفاءة والأمانة والحمد لله وهو شرف نعتز به. ولكن النتائج الراهنة تبقى دون المأمول لأننا مع الأسف في عهد بورقيبة أثرنا حفائظ دينية كنا في غنى عنها ما عدا الصداقة التي ربطت بين المغفور لهما الزعيم بورقيبة والعاهل السعودي المغفور له بإذن الله تعالى الملك فيصل بن عبد العزيز حين اشتركا في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي. ثم حل بتونس عهد زين العابدين بن علي فكانت علاقات تونس بدول الخليج تنقسم إلى قسمين: قسم لا يتعدى الصفقات الاستثمارية في ظروف غامضة لم تراع فيها مصالح الشعب التونسي (مثل مشروع سما دبي) وقسم يرتكز على قناة الجزيرة وظهور بعض المعارضين التوانسة على شاشتها مع مسلسل سحب السفراء و قطع العلاقات وهو ما تضررت منه بلادنا بكل المقاييس ثم جاءت الثورة التي حاولت حكوماتها الأولى إصلاح ما فسد في هذه العلاقات ولكن نزعات مضادة للثورة استهدفت بعض دول الخليج بالنيل من حكامها وأنماط حياتها في الإعلام أو في بيانات الأحزاب العلمانية المتطرفة وهذه النزعات كانت تقاوم حركة النهضة وكل ما يمت للإسلام بصلة ولم تدرك أنها بهذا الصنيع إنما تخسر تونس استثمارات قيمة ومصالح حيوية. ثم جاءت جولة مهدي جمعة فاستبشرنا بالرجل خيرا حين لمسنا فيه الجدية والحياد ولكنه في نظري المتواضع لم يوفق حين أدلى بتصريح لصحيفة الدستور الأردنية عبر فيه عن تأييده لقرار المملكة السعودية القاضي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا لأن هذا التصريح مهما كانت نوايا صاحبه ومهما فسره وزيرنا للخارجية وهو محرج لا يخدم نصاعة وحياد و جدية علاقاتنا بدول الخليج والسبب أولا هو أن رئيس حكومتنا المؤقت غير مطلوب منه أن يعلق على قرارات سيادية لدولة شقيقة فالدول الخليجية الأخرى ذاتها لم تعلق لأن لكل منها موقفا خاصا بها من هذه الجماعة مثل دولة قطر ومملكة البحرين التي صرح وزير خارجيتها يوم الخميس الماضي بأن حكومة بلاده ليست لها مشكلة مع الإخوان أما دولة الكويت فإن جماعة الإخوان فيها تشارك في السلطة والحكم منذ عقود وهذه خيارات سيادية لم يكن مهدي جمعة مضطرا للتدخل فيها باسم تونس. وكانت أصداء تصريحاته في الداخل غريبة نوعا ما لأنها استعملت ووظفت من قبل أعداء الهوية إلى درجة أن بعض السياسيين والإعلاميين (حتى المرموقين منهم مثل الزميل سفيان بن حميدة!) شبهوا المهدي جمعة بالسيسي المصري وبشروا التوانسة بمصير مصري لا قدر الله! إنه خطأ نضعه في خانة فقدان المستشار الدبلوماسي الواعي لرئيس الحكومة وفي خانة قلة التجربة الخارجية وهشاشتها للمهدي جمعة وعلى كل يقول أشقاؤنا الخليجيون ( الحمد لله صار خير).