” الجميع يقبلون بعضهم البعض ويتحدون فى مشهد غاية في الروعة عندما يتوجهون بقلب واحد إلى رب واحد ولا ينشغل أحدهم بأن يميز من على يمينه أو من على يساره ولا حتى يسألوك عن طائفتك ومذهبك حتى يتأكدوا من انتمائك الى نفس طائفته ام لا هذا أمر لا يعنيه وهذا هو اﻹبداع الذى نجح فيه جلالة السلطان قابوس _ أدامه الله وأبقاه _ بأن يصل بالشعب العماني الى هذه الصورة الرائعة المبدعة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسعى الجميع إلى تكوين تحالفات وتكتلات فى مختلف المجالات إما تكتلات اقتصادية وإما تكتلات عسكرية أو غيرها من التكتلات ونرى الغرب دائما حريصا على السعي لهذه التكتلات ومع إنه فى معظم اﻷحيان يأخذ البعض الغرب قدوة له ولكن وللأسف الشديد في كل ما يسعون هم للتخلي عنه والبعد عنه نحن نحاول بشتى الطرق البحث عن كل ما يؤدي بنا إلى الفرقة والتمييز والذي يجعلنا دائما فى ضعف ووهن.
وإن عادة ما يقرب الناس ويجعلهم كتلة واحدة هو الذى أصبح وللأسف الشديد في مجتمعاتنا العربية سببا رئيسيا للفرقة والتمييز وأيضا اليوم أصبح سببا للصراع والاقتتال.
أيعقل هذا يصل بنا الحال اليوم أن يكون الدين هو أحد أساليب الفرقة والتناحر والصراع والاقتتال كيف يكون هذا حالنا اﻵن .
إن معظم دولنا العربية اﻵن فى حالة من الفرقة والصراع والتناحر والاقتتال تحت ما يسمى بالتمييز بين الطوائف وأرى إننا أصبحنا وللأسف الشديد لا نترك المجال ﻷحد فنصدر اﻷحكام ونضع أنفسنا دائما فى موقف الصواب ومن يفعل خلافنا هو مخطىء ويحتاج الى أن يرجع إلى صوابه وأيضا نصدر عليه اﻷحكام ونقوم بتنفيذ هذه اﻷحكام في حين أننا نغفل شيئا مهما جدا أن الدين هو علاقة خاصة جدا بين الفرد وربه وكيف لنا أن يكون هذا هو حالنا؛ فهل من الممكن أن يوجد مجال إلى أن نصل فى يوم من اﻷيام الى الوحدة وأن نكون تكتلات فى أي مجال تعود للصالح والنفع العام لشعوبنا.
لقد تجولت فى كثير من البلدان العربية ورأيت أنه دائما يتم التمييز بين الجميع في أمر يصعب جدا علي أن يقبله عقلي وهو أن يتوجه كل شخص الى المسجد ليؤدي العبادات ولكن يبحث عن التمييز فهل هذا المسجد تابع الى نفس معتقداتي أم لا أن كان لا ؛ فالاجابة اﻷكيدة لن يدخل هذا المسجد فهل نسينا أن هذا هو بيت الله مفتوح للجميع والله لا يغلق بابه أمام أحد لا أبيض ولا أسود ولا عربى ولا أعجمى فقد قَالَ اللَّهُ :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) { الحجرات _ 13} مع أهمية النظر أن الله تعالى وجه حديثة الى كل الناس ولم يحدد أو يميز طائفة دون أخرى، الجميع واحد أمام الله وكيف لنا نحن أن نميز الجميع والله لم يميزنا هكذا.
أنا لست رجل دين ولكنى اتحدث من الناحية التي أود وأن نكون عليها جميعا كعرب حتى في الكنائس يتم التوجه الى هذا التمييز ولكن اﻷمر أقل حدة مما وصل اليه العرب المسلمون فى التمييز والتناحر والصراع والقتال فيما بينهم فهذا يريد القضاء على هذا وذاك ؛ ويريد أن تسود الفئة التى ينتمى اليها أيعقل هذا.
لقد فوجئت بمشهد غاية فى اﻹبداع أن دل فإنما يدل على أن العمانيين فعلا يستطيعون التغلب على كل أوجه الخلافات أو الصراعات وعدم إيجاد الفرقة بأى شكل من الأشكال وأعتقد ان هذا أحد المفاتيح التى أرتكز عليها جلالة السلطان قابوس ـ حفظه الله ورعاه ـ فى أن ينزع كل أوجه التمييز والصراع ولم يجعل له تربة خصبة لتنمو وتترعرع فيها والتي لطالما رفضها وأكدها في الكثير من خطاباته السامية الكريمة كون التربة العمانية تربة طيبة لا تنبت إلا طيبا ولقد وأدها تماما ونهائيا وذلك بحكمته وايضا بوعى كل مواطن في سلطنة عمان ولقد كان مشهد غاية فى التميز والابداع والخصوصية بسلطنة عمان والتى تعد المسجد فى كافة أنحاء السلطنة هو نموذج حي وواقعي للوحدة الحقة والترابط والتجانس والانصهار بين الجميع في واحد.
الجميع يقبلون بعضهم البعض ويتحدون فى مشهد غاية في الروعة عندما يتوجهون بقلب واحد الى رب واحد ولا ينشغل احدهم بأن يميز من على يمينه أو من على يساره ولا حتى يسألوك عن طائفتك ومذهبك حتى يتأكدوا من انتمائك الى نفس طائفته ام لا هذا أمر لا يعنيه وهذا هو اﻹبداع الذى نجح فيه جلالة السلطان قابوس ـ أدامه الله وأبقاه ـ بأن يصل بالشعب العماني الى هذه الصورة الرائعة المبدعة.
والحقيقه أنني أتساءل كيف لنا وإن دق أحد باب بيتنا مهما كان سيفتح له الباب ويكرم ويأخذ واجب الضيافة فكيف تكون المساجد أو دور العبادة التى هى بيت الله تفتح للبعض والبعض اﻵخر لا يكرم فيها البعض والبعض الآخر لا ؛ نعم وبحق لقد وقعت أعيننا على أحد المفاتيح التى أحسن استخدامها جلالة السلطان المعظم قائد الحكمة والرأي الثاقب والتي استطاع بها نشر الوعي والحفاظ على المواطن العماني وسلطنة عمان من كل الصراعات والفتن التي يسعى إليها أصحاب المصالح واﻷغراض غير السوية النيل من بلادنا العربية وأضاع عليهم الفرصة لبث الخلافات والصراعات بسبب التمييز الديني والطائفي والتى كانت وراء القضاء على بعض دولنا العربية وللأسف الشديد ليس بأيدي أصحاب المصالح أو الاطماع ولا بأسلحتهم وعتادهم ولكن بإيدى الطوائف وجعلهم يتصارعون ويتقاتلون ويقضون على بعضهم البعض وتلجأ إحدى هذه الطوائف بطلب المساعدة والحماية من أصحاب المصالح والاطماع ويسلمونهم كل مقاليد الأمور ليساعدوهم على أن تكون لطائفتهم الغلبة على الطائفة الأخرى وللأسف الشديد يقوم هذا على انقاض بلادهم وعلى أشلاء وجثث المواطنين فى هذه البلد وتقدم على طبق من ذهب وبدون أي مجهود ﻷصحاب المصالح والأطماع.
أيعقل أن يصل بنا الحال إلى ألا نرى ما يدور من حولنا وتقع جميع الدول العربية يوما بعد يوم فريسة الى نفس المشهد العبثى ، علينا أن نفيق قبل فوات الاوان.
وما يحسب أيضا لقائد السياسة الحكيمة والقيادة الرشيدة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم أنه يعمل في صمت ورصانة لتجنب كل هذه المهاترات وأيضا يبني المواطن العمانى ليكون هو النواة الصلبة التى يصعب بإذن الله تعالى أن ينال منه أو من سلطنة عمان أحد وذلك بالوعي والعمل على اﻹجراءات الاحترازية المسبقة والتى كان حقا سباقا فيها ليكون شعبه لحمة واحدة ووحدة متماسكة وعلى أساس سليم وليس على التمسك بالشعارات الزائفة التى امتلأت بها الجدران والمؤتمرات والندوات فى بلادنا العربية .
وأكبر مثال لهذا هو الالتزام بانشاء مسجد يطلق عليه " جامع السلطان قابوس " فى جميع أرجاء السلطنة ويتم البحث بدقة متناهية على اختيار مكانه وموقعه الاستراتيجي ليخدم كافة المذاهب والطوائف لا يميز فئة عن فئة أو مذهب عن مذهب وعلى ألا يكون قربه ﻷحد الطوائف هو سبب من التمييز فلا يوجد تمييز بين أي طائفة على ارض سلطنة عمان والفضل لله ولحكمة جلالة السلطان قابوس ولوعى المواطن العمانى .
فأدعو جميع العرب الاقتداء هذه المرة ليس بالغرب ولكن الاقتداء بما فعله جلالة السلطان قابوس المعظم للخروج من النفق المظلم ومن أتون النار الذي ينتظر الجميع.
أدام الله البصيرة الثاقبة والوعي الراشد والوحدة القوية إلى جميع الدول والشعوب العربية.

د. صلاح الديب
خبير إدارة الأزمات فى مصر والوطن العربى رئيس المركز العربى للاستشارات وإدارة الأزمات
[email protected]