ومن القصيدة الكلاسيكية العمودية ينقلنا حمود إلى تجريب شكلي شعري آخر ، ألا وهي قصيدة التفعيلة و يحاول من خلال تقنيات قصيدة التفعيلة ان يقدم شكلا شعريا جديدا يضاف الى القصيدة الشعبية الحديثة .
فقصيدة التفعيلة عند حمود تحاول أن تستفيد من تقنيات القصيدة العربية الحديثة فنراها تتخلص من شكلها الغنائي البسيط الذي اعتادت عليه في قصيدة التفعيلة الشعبية ، ونراها تطرح اسئلة وجودية و انسانية و فلسفية :
تعرفيني يالنخيل؟
تعرفي الطفل اللي كنته ؟
و كان يتشاقى عليك
يا ما رد دشداشة شعوره مشققه

(نص :عامد كان بطعم آخر ، من ديوان : تتسع حدقة على اوسع مدى)
و من نص آخر يقول :

و أنا القف ثلاثيني
و تسرقني طواحيني
من المنفى
رسالة
للغزالة
دمعتين و حرقة ما تنطفي
اشربي من نبع ضلعي
اصدق شعور وفي
مدري ليه امي بتبكي
من تجي سيرتك تبكي
( نص : الى المطلة من شرفة القمر ، من ديوان : تتسع حدقة على آخر مداها)
فهنا قصيدة التفعيلة تأخذ ابعادا و اغراضا كلامية و تأملية اخرى . وتتطور قصيدة التفعيلة لتاأخذ اشكالا أخرى مختلفة ، اشكالا اكثر اختزالا و تركيزا سواء في الفكرة او الشكل المعماري للقصيدة كما في ديوان ( ممتلي بروح المغامر ) الذي اشتغل فيه على قصيدة التفعيلة بتقنياتها المختلفة ، فقد استفاد من التقنيات الحوارية داخل النص ، كما استفاد من تقنية التكثيف الشعري داخل المقطع الشعري الواحد . فنرى كما في نص " من نافذة سيارة مرت " انه اعتمد الى تقسم النص الى 17 مقطعا شعريا مكثفا ، وهو شكل جديد من اشكال الكتابة الشعرية في القصيدة الشعبية :
(1)
تنزلق قطرة ندى
في الوثير ،الوثير
روعة بتغري الشذا
لون وفخامة
(2)
ليل يتشاقى على صبحه
صبح ما همه سوى ليله
(3)
يشقيك من نافذة
وش ناوية

وهكذا .. الى المقطع السابع عشر، وهذا الشكل الكتابي القائم على ترقيم المقاطع يظهر في اكثر من نص في نفس المجموعة الشعرية ، وهي هذه المجموعة كما اطلق عليها مجموعة تظهر فيها روح المغامرة الشعرية بحق ، فقد طرحت هذه المجموعة نصوص متجاوزة و جديدة في طرحها فقد اشتغلت على تقنيات شعرية جديدة ، وهنا يظهر الجانب القرائي النقدي للشاعر و استفادته من تقنيات القصيدة الحديثة .
كما أن بعض نصوص التفعيلة الطويلة قد تخلصت من تقنية التقفية المتعارف عليها في قصيدة التفعيلة ليترك النص يسترسل بكل انسيابية كاسرا نمط التقفية التقليدي معتمدة على الايقاع الداخلي التي تنتجه الأشطر وما تحدثه علائق الكلمات مع بعضها البعض :

اذكريني
اذكريني في الممرات الحميمة
في الفصول اللي بـ تمرك جالسة وحدك
بدوني
في آماسينا الجميلة
في المقاهي
في عيون الأصدقاء
في الطريق اللي تهجيته و تهجاني
واللي يا ما نام لي بـ اسفلته قلب
في المطر يغسل غبار الشبق
بأذكار علوية

ثم يتطور هذا التجريب لتكتمل ذروته مع ديوان ( شق فجرك ظلامي و انجلت عتمتي ) و الذي جاء متجاوزا في تقنياته الكتابية ليكتمل به مشهد التجريب الشعري عند حمود الحجري .
في هذا الديوان و هو الأخير حتى كتابة هذه القراءة شيء من الطرح الكتابي المختلف في تجربة القصيدة العامية ككل، فقد احتوى هذا الاصدار على نصين شعريين طويلين حاول فيهما الحجري ان يقدم خلاصة تطوره الكتابي و تجريبه في القصيدة الشعبية / العامية . فبدءا من فكرة الديوان الجديدة و المتجاوزة في الطرح و التي يمكن ان نعتبرها مغامرة بحد ذاتها و التي هي امتداد لفكرة الديوان السابق ( ممتلي بروح المغامر ) لم يكف الحجري عن استعذاب هذه المغامرة التي تطورت معه في ديوانه الأخير (شق فجرك ظلامي و انجلت عتمتي ) ، وليس انتهاء بالشكل الكتابي الجديد داخل النص الواحد ، فقد قام بتقسيم النصوص الى مقاطع شعرية مكثفة مارس في كل نوع تنويعا كتابيا جديدا و مختلفا ، ففي النص الأول و الذي حمل اسم المجموعة احتوى على 38 مقطعا شعريا مكثفا تنوع بين الشكل العمودي والتفعيلة و محاولات الخروج الى قصيدة النثر و حتى المقاطع التي جاءت على شكل قصائد تفعيلة مكثفة او ما تعارف على تسميته بقصيدة الومضة تخلصت من نمط التقفية التي تنتهي به المقاطع . هذا الشكل الكتابي قائم على الاختزال و التكثيف في الفكرة ، كما ان جميع مقاطع النص تتضامن وتتكاتف لتخدم الفكرة العامة للنص ، وما الاهداءات في بداية بعض المقاطع الا جزء من منظومة الفكرة العامة للنص . و الفكرة العامة للنص هي ايضا لا تخلو من الجدة الى جانب طريقة الطرح التي اعتمدها الحجري لتقديمه للفكرة . و لا يفوتني ان اذكر ان المقاطع العمودية التي جاءت داخل جسد هذا النص لم تخل من الجدة و الابتكار ايضا سواء على صعيد الفكرة او على صعيد الشكل المعماري للكتابة ، ففي المقطع (27) نقرأ :

تكتب تفاصيل وحدتها قصيدة .. الجدة ،وتفترش صمت الحصير..
المهتري ،مثل باقي اشياء عديدة .. ألوانـــها كالحة ، ما تستثير ..
غير الشعور البئيس و مزيده .. من هم ، من غم ، من طعم مرير

فنحن نرى ان هذا النص لا يمكن قراءته الا بدفعة و نفس شعري واحد ، فقد اعتمد الشاعر على تقنية التدوير في النص العمودي ، وهذا التدوير قائم بين الشطر والآخر و بين البيت و الذي يليه ، فقراءة هذه القصيدة تستوجب التتابع في القراءة لاكتمال فكرة النص .
أما النص الثاني من هذه المجموعة و هو نص طويل آخر تكون من 24 مقطعا مكثفا ، اعتمد على تقنية قصيدة الومضة ذات التكثيف الشعري العالي و اسماه : " لغة أخرى" ، وهي بالفعل لغة شعرية أخرى كما يدل عنوانها الذي يقدم هو الآخر فكرة مبتدئة لماهية هذه الكتابة الشعرية ، سأختار هنا عشوائيا بعض المقاطع المرقمة كنماذج لهذا النص :
(2)
هـ العين
خبرني :
ما لها رادع ؟
(6)
كنت أحسب اللجة
بحر
لين خضتك
(7)
بها فتك
وبها هتك
وحشود
وبربرية
وصهيل سيوف
وصليل خيول
وبها
وبها
ولو .. ما بها
ما به عذاب ونار !
ان وحدة الفكرة و الموضوع في تجربة الحجري تمثل ملمحا اساسيا في تجربته ، فنحن نرى ان لكل ديوان تجربته و خصوصيته الكتابية و هذا ما يظهر من خلال الدواوين الاربعة ، فقد اعتمد حمود على مسألة الاشتغال على الديوان الواحد ذات الفكرة الواحدة في ديوان بأكمله و هذا ما يميز التجربة لديه .

حضور البيئة في التجربة

تكاد تشكل البيئة ملمحا مهما من ملامح التجربة الشعرية عند حمود الحجري ، فحضورها القوي في مجمل التجربة هو ما يكاد يشكل سمة مهمة فيها ، فلا يكاد يخلو نص من هذا الحضور ، وتتنوع اشكال الحضور في هذه التجربة بأشكال مختلفة ، فمن مفردات البيئة العامة كأسماء الاماكن الى مسميات الأشياء والاشخاص الى حضور اللهجة العامية بمختلف مستوياتها . و تذوب هذه المفردات داخل جسد النص مشكلة الهوية العامة لعموم التجربة بحيث اننا لا نشعر بأي افتعال او اقحام لفظي . ولعلنا نقول ان الشاعر حمود الحجري هو من انجح التجارب الشعرية العامية التي استطاعت ان توظف البيئة العمانية و ان تقدمها بشكل حداثي جديد بحيث انه يستفيد من تقنيات الحداثة و الكتابة الشعرية الجديدة في وقت حافظ فيه على حضور البيئة العمانية، وتتجلي مستويات الحضور بشكل مختصر كالتالي :

* اللهجة :

جنبي على المقعد
اسمع حكايتك
اقاودك و انتي
ما ينفد جرابك

* المكان :

انتي الظاهر
بيوت وناس
رحتي انتي
راحت الظاهر

* مفردات المكان :

و السبلة بـ ثوب التفجع و النواح تصافح ايام السواد المدلهم
السبلة اللي دك وقفتها اجتياح جرافة جلفة بلا قلب و ندم

*البيئة الزراعية :

شريان هالقرية فلج ياهو تحدر و استمر
شريان هالنابض وصال له زمان يخايله

* الشخوص :

سقى يا معلم القرآن
قبرك وابل
يخرج مزاريب البيوت الساهمة
من صمتها الممتد
جرح أغبر

*الفنون المغناة :

أي طرق ؟ و أي لال ؟ و أي داني ؟
أي طعم ؟ و أي لون ؟ و أي ريحة

ان مستويات حضور البيئة تختلف و تتنوع في هذه التجربة وما هذه الا لمحة سريعة ، وحضور البيئة في تجربة الحجري تحتاج اشتغال خاص يرصد هذا الحضور الذي يأخذ اشكالا كثيرة ابعد مما رصدته هنا في هذه العجالة .

تساؤلات حول التجربة

اللهجة :

استطرادا لفكرة حضور البيئة المتمثلة في اللهجة العمانية في تجربة حمود الحجري، لا يفوتني ان انوه هنا الى ما يمكن ان اسميه مبدئيا تناقض و تداخل اللهجة في القصيدة و التجربة الواحدة ، ففي الوقت الذي نجد فيه حضور البيئة العمانية في هذه التجربة ، البيئة بكافة مستوياتها التي ذكرت المتمثلة في اللهجة او المكان ، فإننا الى جانب آخر نلحظ دخول مفردات من خارج البيئة او من خارج لهجة المكان التي ينتمي لها صاحب التجربة ، قد يحدث هذا الدخول نوعا من التناقض لدى القارئ و نوعا من التساؤل للوهلة الأولى ، فنحن امام تجربة شعرية نجد فيها حضورا للهجة و البيئة العمانية و في نفس الوقت نلحظ وجود مفردات من خارج بيئة المكان ، هذا التساؤل يظهر الحاحه اكثر ما يظهر في القصيدة العامية الشعبية ، ربما لأن القصيدة الفصحى تجاوزت هذه المسألة كون اللغة الفصحى لغة مشتركة ينتمي لها كل الكتاب العرب ، لكن ماذا بشأن القصيدة العامية ؟!! ، هل أصبحت اللهجات العامية العربية هي الأخرى مشتركة بحيث اننا لن نستغرب وجود مفردات من لهجات عربية أخرى في تجربة شعرية عمانية ؟! ، هل أصبحنا فعلا نعيش في زمن عولمة سقطت فيه حتى الحدود اللغوية ايضا ، بحيث اصبح القارئ العامي العماني لا يستغرب من وجود مفردة في قصيدة عمانية ، مفردة تنتمي لبيئة كلامية أخرى . أليست القصيدة العامية تنتمي للهجة ، الا نرى نحن ايضا التطور الذي يحدث للهجة ، ألم يقتحم الاعلام المرئي و المسموع عوالمنا الكلامية ايضا بحيث ان اللهجة هي ايضا كائن يتأثر و يتحول ، الا نعتبر ما يحدث للقصيدة الشعبية هو نوع من التحول الذي يحدث للهجة العامية ايضا .
شيء آخر ، أليست الكتابة الشعرية هي لحظة كتابية لا واعية ، ألا تختار كل قصيدة لغتها و مفرداتها ، الا تكون هذه المفردات في مخزون الذاكرة ويتم استدعاؤها استدعاء عفويا لا واعي ، هل نستطيع في لحظة الكتابة ان نحذف مفردة ما في وقت استطاعت هذه المفردة ان تلخص الحالة الشعورية التي نحتاجها و نشعر بها ، ماذا لو استبدلنا هذه المفردة استبدالا قسريا بحجة انها لا تنتمي للهجة او للمكان ، في وقت نشعر ان هذه المفردة هي المفردة المناسبة و التي تعبر عن الفكرة و الحالة الشعورية الآنية ، الا يؤثر هذا الاستبدال سلبا في توصيل الفكرة و الحالة الشعورية ؟! اتساءل ايضا ، هل من مهام الشاعر التوثيق للهجة ، اليست هي مهمة يجب ان تضطلع بها مؤسسات أخرى !! . الا يؤثر التقوقع على اللهجة في مسألة توصيل القصيدة، السنا بحاجة الى هذه اللغة البيضاء لتوصيل قصائدنا الشعرية للآخر ..
لكن و على الجانب الآخر ماذا عن الهوية .. هوية الكتابة، اليست للكتابة الشعرية هوية ، حتى في القصيدة الفصحى نستطيع ان نكتشف هوية القصيدة وانتماءها الجغرافي ، ماذا لو استمر تأثر القصيدة الشعبية العمانية باللهجات العربية ألا يفقدها ذلك هويتها و خصوصيتها كلهجة وكقصيدة تنطلق من اللهجة المحكية . هل هذه المفردات الدخيلة في القصيدة الشعبية العمانية هي فعلا مفردات حاضرة في حديثنا اليومي بحيث انها جزء من لغة الحديث اليومي ، أليس دخولها في القصيدة العمانية دخولا قسريا متكلفا ، الا نشعر بتناقض قرائي بين قصيدة تستوحي تفاصيلها من المكان العماني ثم تأتي مفردة دخيلة لتعبر عن خصوصية المكان الذي لا تنتمي له . أليس من المفترض ان تنطلق القصيدة الشعبية الحديثة من اللهجة العامية و ان تقف على القصيدة الشعبية الموروثة ثم تواصل تطورها من هذه الأرضية بدل التأثر باللهجات المحيطة و القصائد الشعبية القادمة من خارج المكان ؟!

اليس للهجة العمانية خصوصيتها التي تختلف في تركيب اللفظة و طريقة نطقها عن اللهجات الخليجية المحيطة و التي من المفترض ان نقدمها للآخر كخصوصية شعرية و ان ننطلق منها في كتابة قصيدتنا العامية . ألا تقف باقي القصائد العامية الحديثة على أرضية لهجاتها ألم تنطلق منها ومن خصوصيتها : كالقصيدة العامية المصرية و اللبنانية و السعودية و .. ألم تتأثر القصيدة العامية العمانية بالقصائد الشعبية القادمة من الخليج و غيره بحيث انها افقدتها خصوصيتها و طريقة نطقها للمفردات . ألا نجد ذلك الفرق الكبير بين القصيدة الشعبية العمانية الموروثة والقصيدة الشعبية الحديثة في طريقة تركيب المفردة و نطقها ؟!!

كل هذه الأسئلة تحضر في ذهني و انا اتتبع تجربة حمود الحجري الشعرية ، و سأعرج هنا الى بعض الأمثلة تاركا للقارئ الحكم بعد طرح سيل الأسئلة أعلاه .
- حضور مفردات من خارج البيئة للتعبير عن خصوصية البيئة : في النص القادم من ديوان ( شق فجرك ظلامي و انجلت عتمتي ) و الذي يحمل الرقم 23 من النص الأول في المجموعة نجد هذا النص الذي أهدي إلى ( ع . ح ) و الذي يستحضر احد الشخصيات العمانية التي تنتمي لبيئة الشاعر و التي تحضر فيه مفردات المكان العماني بشكل لافت ( السبلة ، البوري ) :

يتحلقوا كل ليلة و كل صباح يرموا على صف الوسايد ثقلهم
يدخنوا من بوري الوقت المتاح تبغ الحكي و شتى الدواير ترتسم

الى ان يقول ..

لين انت رحت و كل أثر وياك راح و سبت للذكرى كلام من ألم

هنا أشعر ان كلمة ( سبت ) هي كلمة خارج السياق العام لجو القصيدة ، حيث ان الجو العام للقصيدة لا يستحمل هذه المفردة الدخيلة التي يأتي حضورها شاذا وصادما داخل مشهد البيئة العمانية في جو القصيدة العام . و نفس الكلام يقال في المقطع رقم (17) من نفس النص ، والذي يستحضر فيه النص حارة الشاعر العمانية ثم نجد بيتا كـ :

ما عاد الجارة للجارة تنده و ترطب أيامك

فنفس الكلام يقال عن كلمة ( ينده ) مثل ما قيل عن كلمة ( سبت ) ، و لهذا النوع من المفردات حضور كبير في التجربة ككل .

- الميل الشديد للتسكين : و يظهر هذا كثيرا في تجربة الحجري، فهو كثير الجنوح للتسكين لضرورة وزنية احيانا و بشكل غير واع في احيان أخر، وهذا التسكين ناتج من التأثر اللاواعي للهجات الخليجية القادمة من خارج البيئة و المفردة العمانية و التي وصلت الينا من خلال النصوص الشعرية الخليجية في وقت ان هذه المفردات أو الحروف يطولها التحريك أكثر من التسكين ، سأورد هنا بعض الأبيات التي طالت مفرداتها التسكين و سأضعها بين قوسين :

1 – هم ما حكوا لك هالسواد المكتحل (بأبيضْه ) نام
و طاح ،طاح المخمل الشفاف يهدي السحر طولك

فهنا نلاحظ أنه عمد الى تسكين حرف الضاد في كلمة ( أبيضه ) في وقت انها تحرك في اللهجة .

2- تنام في جلدك حكايتْـك ،تسترسل
في بوحك المشبوب ،كل العطر بأنسامك

أيضا في كلمة ( حكايتك ) عمد الى تسكين التاء ليستقيم الوزن و التي هي في أصلها تحرك في اللهجة .

هذه المفردات في تركيبتها اللفظية و طريقة نطقها لا تنتمي كثيرا الى اللهجة العمانية بقدر ما تنتمي الى لهجات قادمة من بيئات أخرى ، وما ذكرته هنا ليس سوى أمثلة صغيرة للتأثر الذي تعيشه القصيدة الشعبية العمانية و الذي حادت فيه عن تركيبة المفردة العمانية و طريقة نطقها .

لغة الكتابة :
هل يحاول حمود الحجري ان يقدم لغة كتابية شعرية جديدة ، ألا تميل هذه اللغة الشعرية الى الفصحى أكثر من ميلها الى العامية ، ألا يمكن أن نسمي لغته الشعرية في تجربته هذه بأنها لغة متفاصحة ، أقول هذا و انا اقراء نصوص هذه التجربة التي تميل في مجملها الى التأثر بالقصيدة الفصحى سواء في لغتها الشعرية أو في تقنيتها الكتابية ، الا يمكن ان تفقد هذه اللغة الكتابية القصيدة الشعبية خصوصيتها ، و اذا اعتبرنا ان هذا الشكل الكتابي هو شكل شعري كتابي جديد فإلى أي نوع نصنفه هل هو شعر شعبي ام شعر فصيح أم هو شعر و كفى !! ، سنقول تجاوزا ان اللغة تتطور و اللهجات العامية يطولها ما يطولها من تطور ، ولكن هل وصلت اللهجة العامية الى هذا المستوى من التطور أم هي لغة متجاوزة للهجة العامية ، ربما هي كلغة أقرب الى لغة المثقفين ، الى لغة حديثهم ، هل ممكن ان تتحول هذه اللغة المثقفة الى شكل شعري كتابي .. ربما ، هذا ما لا يمكن ان نتكهن به !!
يمكنني ان اعتبر هذه اللغة تجريبا شعريا جديدا ، لغة تحاول ان تقف في الوسط بين العامية و الفصحى ، و حتى تقف هذه اللغة على قدميها فإنها تحتاج الى زمن لتتكيف مع هذا النمط الكتابي ، حيث انه كنمط يحاول ان يطوع المفردات الفصحى لينطقها بشكل عامي و هذه المحاولات يظهر فيها أحيانا ما يظهر من التكلف اللفظي و الذي تميل فيه اللهجة الى التسكين بينما تميل اللغة الفصحى الى التحريك ، و الذي يفقد بعض المفردات او المقاطع شعريتها من حيث صعوبة نطق بعض المفردات الفصحى باللهجة العامية و ارتباطها بالوزن الشعري الذي بنيت عليه القصيدة و لنأخذ على ذلك بعض الأمثلة :
1-
وش المانالوج اللي يثور
ب هالدائرة المتلونة بالأسود
اللامستقرة
مثل زئبق
وش من حديث حامي

2-
الشاشة اللي تبث
العواطف / الانفعالات / الاشتهاء / الاكتفاء
التلون
التبدل
القادرة على التمويه
الفاشية للسر
المعبأة بالذخيرة و العتاد
المجردة من كل شي .

في المقطعين السابقين نجد مفردات من قبيل ( المانالوج ، المتلونة ، اللامستقرة ، الاشتهاء ،الاكتفاء ، المعبأة .. ) و هي مفردات في تركيبتها اللفظية تنحو ناحية اللغة الفصحى و التي يحاول الشاعر هنا أن يطوعها لتأخذ نطقا عاميا عامدا الى تسكينها لتحتفظ بأيقاعها الوزني .

خاتمة

كانت هذه الورقة رصدا لتجربة الشاعر حمود الحجري من خلال دواوينه الأربعة :
- الغرفة بلد
- تتسع حدقة على اخرمداها
- ممتلي بروح المغامر
- شق فجرك ظلامي و انجلت عتمتي
و التي حاولت فيها ان اتتبع الجوانب الفنية و الابداعية لهذه التجربة الكتابية العميقة و الجديدة في آن ، و التي اعتبرتها تجربة مختلفة في خط الكتابة للقصيدة الشعبية الحديثة . و الحق ان هذه الورقة ليست سوى استعراض خارجي لجوانب هذه التجربة و تتبع لخط سيرها الكتابي و الا فإن هذه التجربة غنية بالكثير من الثيمات الكتابية التي بإمكان اي قلم نقدي تتبعها . لم تكن هذه الورقة هي ورقة نقدية بالمعنى النقدي القائم على الحفر و البحث في التجربة و انما تتبع لخط سيرها و عرضها كتجربة جديدة تستحق المتابعة . و بحكم قربي من تجربة الشاعر فإني ارى حمود الحجري شاعرا مسكونا بهاجس الكتابة و التجريب و البحث و المغامرة و هو شاعر يشتغل على تجربته قرائيا و كتابيا و تجربته لم تتوقف عند هذه الاصدارات الاربعة و انما لديه نصوص كتابية و تجريبية و شعرية أخرى سنجد فيها الجديد في اصداراته القادمة .
الذي أريد ان اقوله ان تجربة حمود الحجري التي رصدتها في هذه الورقة هي تجربة شعرية ثرية تستحق المتابعة و القراءة النقدية وهذا ما اردته من هذه الورقة لعرض هذ التجربة و التي قصدت بها ان الفت الاقلام النقدية لتتبع هذه التجربة الثرية ، اذ ان تجربته تثير الكثير من الاسئلة حولها ، وهذا هو سر نجاح هذا النوع من التجارب، وهذه التجارب هي ما تصنع التغيير في اي مشهد كتابي .

طاهر العميري
[email protected]