لتغيير الاتجاه، لا بد من خطوات واضحة وجريئة. ينبغي نزع حالة التأهب القصوى عن الأسلحة النووية الأميركية. يجب أن يقتصر دور الأسلحة النووية فقط على الردع، وليس لاستخدامها في أي ظرف آخر. بناء جيل جديد من الأسلحة النووية يجب تنحيته حاليا لصالح الالتزام مجددا بالجهود الرامية إلى اتباع مسار لتخليص العالم من هذه الأسلحة.

حين أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيزور هيروشيما، باليابان، الأسبوع المقبل، فإنه تعهد على الفور أنه لن يعتذر عن إسقاط قنبلة ذرية على هذه المدينة وأخرى على ناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية. بيد أن التفكير الحقيقي في هيروشيما يجب أن يكون حول مستقبل الأسلحة النووية، وليس الماضي. وما لم يتصرف الرئيس ويتحدث بصراحة، فإن زيارته قد ترمز ليس فقط إلى رماد هيروشيما ولكن أيضا رماد وعده التحرك نحو عالم خالٍ من تهديد الإبادة النووية.
في أول خطاب له للسياسة الخارجية الرئيسية، ألقاه في براغ في أبريل 2009، هلل أوباما لـ"التزام أميركا" بـ"عالم خالٍ من الأسلحة النووية"، وقال محذرا إن القبول باستمرار وجودها معناه القبول باستخدامها في نهاية المطاف. ولكن حتى استخدام قنبلة نووية واحدة يبلغ من الفظاعة ما لا يمكن التفكير فيه، واعترف بأن نزع السلاح النووي لن يأتي بسهولة أو بسرعة، إذ يحتاج "صبرا وثباتا"، ولكن هدف نزع السلاح الكامل ينبغي أن يفضي إلى استراتيجية وإجراءات ملموسة.
اتخذت بعض الخطوات الهامة بعد ذلك الخطاب حيث تم التفاوض على إجراء تخفيضات كبيرة في الأسلحة النووية مع روسيا، ولا تزال على الطريق الصحيح، وتم تخفيض دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، وكبحت المفاوضات الناجحة مع إيران خطر تطوير الأسلحة النووية الإيرانية، وأنعشت الأمل في حركة عدم الانتشار النووي، وركز زعماء العالم اهتماما جديدا على تهديد الإرهاب النووي، واستضاف الرئيس قمما ركزت على تأمين المواد المستخدمة في صناعة الأسلحة النووية السائبة في جميع أنحاء العالم.
لكن لا يزال هناك 15000 سلاح نووي في العالم، ولا تزال الولايات المتحدة وروسيا تحافظان على الآلاف منها في حالة تأهب قصوى، ومنع مجلس الشيوخ التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب، وأحبطت الاعتراضات الباكستانية تحقيق تقدم على صعيد معاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية.
من جهة أخرى تقصر استراتيجية توظيف الأسلحة النووية للإدارة الأميركية استخدام الأسلحة النووية على "الظروف القصوى" ولكنها لا تستبعد الاستخدام الأول لها. وقد التزمت الإدارة بصنع جيل جديد من الرؤوس النووية وأنظمة إطلاقها، بتكلفة تقدر بأكثر من تريليون دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة. وتم نشر نظام الناتو لمكافحة الصواريخ الباليستية في رومانيا، على الرغم من الاعتراضات الروسية بأنه ينتهك معاهدة القوات النووية متوسطة المدى لعام 1987. وتقابل روسيا تراكم الأسلحة الأميركية على حدودها بالتهديد بنقل صواريخ اسكندر المسلحة نوويا إلى الحدود البولندية. وتدين الولايات المتحدة هذا التحرك بأنه انتهاك لمعاهدة القوات النووية متوسطة المدى أيضا.
ويحذر وزير الدفاع السابق وليام بيري بشكل قاطع من أن "خطر وقوع كارثة نووية اليوم أكبر مما كان عليه خلال الحرب الباردة." ويشير بيري ليس فقط إلى الجماعات الإرهابية مثل "داعش" التي يمكنها شراء أو سرقة مواد لصناعة الأسلحة النووية، ولكن أيضا إلى التوترات المتصاعدة بين روسيا والولايات المتحدة.
وعشية قمة الأمن النووي الرابعة والأخيرة في واشنطن، أعاد أوباما مرة أخرى التأكيد على أن الأمن النووي لن يكون ممكنا ما دامت الأسلحة النووية موجودة. و"باعتبارها الدولة الوحيدة في أي وقت مضى التي استخدمت الأسلحة النووية"، بحسب افتتاحية له بصحيفة واشنطن بوست "فإن الولايات المتحدة لديها التزام أخلاقي لمواصلة قيادة الطريق من أجل القضاء عليها."
فالرئيس الأميركي يدعو إلى "الصبر والثبات". ولكن ما شهدناه هو قوة الأفكار القديمة، والبيروقراطيات الكبيرة، والمصالح الراسخة وتجدد العداوات لخنق حتى الجهود المتواضعة للتحرك في اتجاه جديد.
لتغيير الاتجاه، لا بد من خطوات واضحة وجريئة. ينبغي نزع حالة التأهب القصوى عن الأسلحة النووية الأميركية. يجب أن يقتصر دور الأسلحة النووية فقط على الردع، وليس لاستخدامها في أي ظرف آخر. بناء جيل جديد من الأسلحة النووية يجب تنحيته حاليا لصالح الالتزام مجددا بالجهود الرامية إلى اتباع مسار لتخليص العالم من هذه الأسلحة. تستطيع الولايات المتحدة، كما يقول بيري، بشكل معقول التخلص من الصواريخ والرؤوس الحربية الأرضية، والتي هي على حد سواء عرضة للخطر وزائدة عن الحاجة. على الرئيس أن يتصرف لإجراء محادثات مع روسيا، والسعي إلى الحد من التوترات المتزايدة التي تهدد بتراكم جديد خطير للأسلحة. ويمكن للرئيس أن يستخدم الرحلة إلى هيروشيما لاستدعاء الأمم المتحدة للاستعداد لعقد قمة عالمية لتحديد المسار نحو القضاء من الأسلحة النووية بشكل يمكن إثباته.
رحلة الرئيس أوباما إلى هيروشيما لا يمكنها التحلل من الماضي. لكن ما يمكن القيام به هو قطع التزام متجدد نحو مستقبل خالٍ من الأسلحة النووية. ولكن حتى يكون للكلمات أي معنى، فإنها يجب أن تكون مصحوبة بالأفعال. والرئيس لا يزال لديه الوقت للعمل.

كاترينا فاندين هيوفيل
ناشرة ورئيسة تحرير مجلة نيشن وكاتبة عمود بصحيفة "واشنطن بوست" خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز" – خاص بالوطن