[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
« لم نسمع أن هناك دولة وجهت اللوم للسلطات الفرنسية أواتهمتها بالتقصير والإهمال, أو أن شركات الطيران الأميركية والبريطانية والروسية هددت بالتوقف عن الهبوط في المطارات الفرنسية, كما فعلت مع مطار شرم الشيخ عقب سقوط الطائرة الروسية التي سارعت المخابرات الأميركية والبريطانية فور وقوع الحادث بالإعلان أن وراءه قنبلة زرعت تحت الجناح الأيمن للطائرة...»

يشعر المصريون بإحباط وغضب شديد جراء تتابع الكوارث وتوالي الأزمات على بلادهم , وكثير منهم أصبح يتجنب متابعة نشرات الأخبار أو قراءة الصحف حتى لا يصدم بالكم الهائل من الأخبار السيئة والحوادث المؤسفة, التي حاصرت الشعب المصري خلال السنين الماضية واشتدت ضراوتها خلال الشهور الأخيرة, ما بين عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة وحرائق تشتعل يوميا ـ لا ندري إن كانت متعمدة أم بسبب الفوضى والإهمال ـ دمرت أحياء وأسواق ومصانع متعددة مخلفة خسائر مادية بالملايين وحوادث سير مفجعة ـ لم يعتدها المصريون من قبل ـ ضحاياها بالعشرات, ناهيك عن حوادث غرق السفن وتعرض مئات الصيادين المصريين للخطف والسجن والتنكيل؛ بسبب اضطرارهم للصيد في المياه الإقليمية لدول الجوار بعد أن ضاقت بهم بحار وبحيرات مصر التي هجرتها الأسماك نتيجة التلوث وكثرة الإشغالات.

وأخيراً جاء حادث الطائرة المصرية التي سقطت في المتوسط خلال رحلتها من باريس إلى القاهرة ليزيد أوجاع المصريين ويصيبهم بحالة شديدة من القلق والخوف وعدم اليقين, ففي الوقت الذي أعلن العالم كله تعاطفه مع فرنسا ووقوفه معها في مواجهة كارثة الطائرة التي انطلقت من أراضيها وراح ضحيتها 30 مصريا و15 فرنسيا و11 من جنسيات أخرى, لم تجد مصر من يقف بجوارها عقب الحادث حتى الصديق الروسي أعلن تأجيل رفع الحظر عن المطارات المصرية بسبب الحادث الذي لم تعرف أسبابه حتى الآن.
لم نسمع أن هناك دولة وجهت اللوم للسلطات الفرنسية أواتهمتها بالتقصير والإهمال, أو أن شركات الطيران الأميركية والبريطانية والروسية هددت بالتوقف عن الهبوط في المطارات الفرنسية, كما فعلت مع مطار شرم الشيخ عقب سقوط الطائرة الروسية التي سارعت المخابرات الأميركية والبريطانية فور وقوع الحادث بالإعلان أن وراءه قنبلة زرعت تحت الجناح الأيمن للطائرة بواسطة أحد التنظيمات الإرهابية التابعة لداعش بعد اختراق الإجراءات الأمنية بمطار شرم الشيخ, ولم يستمع أحد وقتها للرواية المصرية عن احتمال وجود عطل فني بالطائرة, أو انتظار ما تسفر عنه التحقيقات, وعاقب الجميع مصر على تقصيرها في تأمين مطاراتها وسماحها للإرهابيين باختراقه ولم يتم رفع الحظر حتى الآن.
هذا الحادث للأسف الشديد سيعمق الصورة السلبية لشركة الطيران المصرية الوطنية التي يتجاوز عمرها ثمانون عاماً وتمتلك سجلاً مشرفاً في مجال النقل الجوي, وأقل معدل للحوادث مقارنة بالشركات الأخرى على مدار تاريخها الطويل, ولكن توالي الضربات واختلال المعايير الدولية والحملة الشرسة ضد النظام الحاكم في مصر من الجماعات والمنظمات والدول الكارهة لاستقرار مصر سيؤثر قطعا على «مصر للطيران» وعلى حركة السياحة القادمة لمصر, مالم يتحد المصريون ويقفوا صفاً واحداً في مواجهة الأزمة ويدعموا شركتهم الوطنية.
يرى كثيرون أن مصر تتعرض لمؤامرة كونية تدبر لها الأزمات والحوادث الإرهابية لإحراجها خارجياً وضرب اقتصادها المتداعي الذي هو في أمس الحاجة لعودة السياحة التي كانت تدر عليه 14 مليار دولار سنوياً, وتدفق الاستثمارات الخارجية لتوفير فرص عمل لملايين العاطلين, خاصة بعد ما نجحت الدولة المصرية في استكمال «خارطة الطريق» والسيطرة على أمورها الداخلية إلى حد ما وتحقيق نجاحات مهمة في حربها على الإرهاب ومواجهة الجماعات المتطرفة.
أصحاب هذه الفرضية يرون أن حوادث الطيران الثلاث التي وقعت في الفترة الأخيرة ـ سقوط الطائرة الروسية وخطف طائرة والتوجه بها لجزيرة قبرص وأخيراً سقوط الطائرة القادمة من باريس ـ تقف وراءها أيادٍ خفية وأجهزة مخابرات دولية وإقليمية قامت بتنفيذها بحرفية شديدة دون ترك أي أثر يدل على الجاني أو الجهة التي نفذتها أو التي تقف وراءها, وكادت الحوادث الثلاث تتسبب في أزمات دبلوماسية وشرخ في العلاقات بين مصر وروسيا وقبرص وفرنسا وهي دول شهدت العلاقات بينها وبين مصر تقارباً كبيراً في الآونة الأخيرة, في المجالات العسكرية والاقتصادية مع روسيا وفرنسا وترسيم الحدود البحرية مع قبرص التي أتاحت لمصر التنقيب عن الغاز في حدودها البحرية.
هناك محاولات استباقية لإلصاق تهمة التقصير والمسؤولية عن الحادث بالحكومة المصرية وشركتها الوطنية دون انتظار نتائج التحقيق, فشبكة (سي إن إن) الأخبارية الأميركية لمحت إلى احتمال انتحار قائد الطائرة المنكوبة مستندة لسابقة اتهام مساعد قائد الطائرة المصرية «جميل البطوطي» بتعمد إسقاط طائرة مصر للطيران والانتحار أمام السواحل الأميركية عام 1999م والتي راح ضحيتها 222 راكباً , بسبب جملة قالها البطوطي والتقطتها أجهزة التسجيل في الصندوق الأسود وهي عبارة :»توكلت على الله» رغم محاولات الجانب المصري شرح معناها للأميركان بأنها عبارة لا يقولها منتحر وإنما يقولها إنسان يقوم بعمل صعب ويطلب المعونة من الله.
وخرجت شائعات وقتها تتحدث عن تعرض الطائرة لصاروخ أسقطها في مياه الأطلنطي لوجود عدد من ضباط الصفوة بالجيش المصري كانوا عائدين من دورة تدريبية متقدمة بالولايات المتحدة, واتضح لاحقاً أن الجانب الأميركي سوق لرواية الانتحار للتملص من المسؤولية المدنية عن الحادث؛ حيث أقلعت الطائرة المنكوبة من مطار أميركي وسقطت داخل المياه الإقليمية الأميركية, للتهرب من سداد التعويضات لأسر الضحايا ولـ «مصر للطيران» مالك الطائرة, وإلقاء المسئولية على الشركة المصرية التي سمحت لمساعد الطيار الانتحاري بقيادة الطائرة وإسقاطها.
لا تملك مصر سوى الانتظار حتى الانتهاء من عملية انتشال حطام الطائرة وأشلاء الضحايا والصندوقين الأسودين, وتحليل محتوياتهما, في إطار تحقيق دولي محايد يحتاج لوقت وتعاون من الدول الثلاث «فرنسا واليونان ومصر» وجهات فنية متخصصة في هذا النوع من الحوادث دون الانجرار وراء أي ضغوط سياسية لتوجيه الاتهام لجهات وتبرئة جهات لصالح أطراف بعينها, وعلى الشعب المصري التوحد والتماسك في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادهم, والتحلي بالثقة في شركتهم الوطنية وكفاءة طياريهم, وعدم الانجرار وراء الشائعات ودعوات التشكيك ومحاولات النيل من المعنويات, واستخدام الحادث المفجع في المكايدة السياسية والصراع الدائر بين السلطة والمعارضة؛ احتراماً للأرواح البريئة التي صعدت عند بارئها وتركت أطفالاً وأسراً مكلومة تحتاج من يواسيها ويخفف عنها ويرعاها في مصابها.