كان الزوجان - اللذان لم تمض مدة طويلة على زواجهما - يسيران ذهابا وإيابا على رصيف إحدى محطات البلدة الصغيرة. كانت ذراعه تلف خصرها فيما كانت هي تضع رأسها على كتفه، وبدت علامات السعادة على محياهما. كان الهواء العليل يحمل معه عبق أزهار الليلك والكرز البري. وفي مكان ما خلف تلك المسافات، ضجت المسامع بأصوات سرب السمان.
تمتمت الزوجة الشابة قائلة:
"كم هي جميلة يا ساشا، كل هذا يبدو وكأنه حلم. انظر إلى جمال هذه الأيكة الصغيرة، فهي تضفي لمحة متفردة على معالم الطبيعة من إنسانية وحضارة. ألا تظن أنه من الرائع أن تجلب الرياح أصوات القطارات الصاخبة"؟!
"الدجاج والسلطة، الدجاج يكفي لنا نحن الإثنين، فهو كبير، وهناك سمك السلمون والسردين الذي وصلنا من المدينة"
بعد أن امتلأ قلب القمر بالغيرة، قرر الاختباء خلف الغيوم، فلطالما كانت سعادة البشر تذكره بوحدته وعزلته المختبئة خلف التلال والأودية.
قالت فاريا "القطار قادم، كم هذا رائع!".
قال ساشا متثائبا "دعينا نلقي نظرة داخل القطار ونعود للمنزل"... "فاريا، ما أروعه من وقت قضيناه معا! يصعب للمرء أن يصدق أن كل هذا كان حقيقة".
زحف القطار بهدوء بمحاذاة الرصيف وتوقف، لمحوا الوجوه الناعسة والقبعات والأكتاف من النوافذ ذات الإضاءة الخافتة.
سمعوا صوتا ينادي من إحدى العربات: "انظروا انظروا، فاريا وساشا جاءا لاستقبالنا، فاريا... فاريا... انظري"
نزلت فتاتان صغيرتان من القطار ولفتا ذراعيهما حول عنق فاريا، كانت تمشي خلفهما امرأة ممتلئة ثلاثينية يرافقها رجل طويل ذو شعر رمادي، يتبعهما ولدان صغيران يحملان حقائب وتليهما المعلمة ومن ثم الجدة.
قال الرجل ضاغطا على يد ساشا بقوة "ها نحن هنا، ها نحن هنا يا عزيزي" أتوقع أنكما ضجرتما من انتظارنا، لقد لزمت البقاء مع عمك الكهل ، حيث أنك لم تزرنا طوال هذه المدة، كولايا، كوستيا، نينا، فيفا، هيا قبلا عمكما، ها نحن هنا جميعا.. جميع أفراد العائلة.. أتمنى ألا نكون ضيوفاً ثقالا".
وعلى مرأى العم وعائلته، بدا الزوجان مرعوبين بينما العم يحادثهما ويقبلهما، تخيل ساشا كيف سيكون حال الكوخ بعد مجيء العائلة: كلاهما يمنحان العائلة الغرف الصغيرة الثلاث، كل الوسائد والملاءات. سيُلتهم السلمون والسردين والدجاج في لحظة واحدة. وكيف أن الأطفال سينزعون أزهار الحديقة ويسكبون الحبر على الأرض، كيف أن المنزل سيضج بالإزعاج والضوضاء، كيف أن عمته ستسترسل في الحديث دونما توقف عن أمراضها وعن أبيها حينما عين باروناً لفينتش.
همس ساشا والكُره يبدو على ملامحه لزوجته "هل أتوا لرؤيتك أنت؟ تبا لهم".
ردت الزوجة بغضب "لا بل لرؤيتك أنت، هم ليسوا أقربائي، بل أقرباؤك أنت".
التفتت مرحبة بالضيوف "مرحبا بكم في الكوخ".
طل القمر من جديد، وبدت عليه السعادة كونه لا يملك أقرباء ليحدث له ما حدث لهذين الزوجين، والتفت ساشا محاولا إخفاء ملامح وجهه الغاضبة، وأبت الكلمات أن تنطلق من لسانه لترحب بهم، ولكن بعدها رحب بهم قائلا " إنه لمن دواعي سرورنا، أهلا بكم في الكوخ".

ترجمة
منال بنت أحمد الخنبشية: