[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كان السؤال الذي رافق زيارة الرئيس الأميركي اوباما إلى فيتنام عن الاستقبال الشعبي المتوقع له، فإذا بالفيتناميين يتقاطرون بكثافة لا مثيل لها لاستقبال الرئيس الذي قتلت دولته مئات آلاف الفيتناميين، وخربت بلادهم، بل لم تستعمل اميركا القوة المفرطة مثلما استعملتها هناك. كان واضحا اذن، ان الأجيال الحالية خرجت من آثار الثأر لتعيش ضمن نطاق العولمة والشركات الهائلة التي اعطت لفيتنام امكانية ان تكون واحدة منها.
وليس الفيتناميون من رحب بصدر مليء بهواء الشهقات المعبرة بالرئيس اوباما، بل اليابانيون ايضا، مع انه حتى اجيالها الحالية لم تنس ما سبق وفعله الاميركي في هيروشيما وناجازاكي .. تناسى اليابانيون ألما مقيما في نفوس اجيال عاشت ابشع اللحظات وهي ترى كيف تذوب اجساد وتفتت، وكيف يموت في لحظات مئات الآلاف. ابتسم اليابانيون وقلة من وجوههم تعكس البسمة والضحكة كما يفسر العلم الحديث الوجه الياباني الذي لا يعكس احاسيس صاحبه.
وبعيدا عن الدولتين، بلغ اوباما كوبا، العدو الذي ظل يتطلع إلى الاميركيين كما لو ان الثورة الكوبية في بداياتها. ظل زعيمها كاسترو مسكونا بتجربته الحرة، وكان يعرف ان معاداة اميركا ستكلفه كثيرا، لكنه اصر ان يمسك نظامه بعيون شعبه فقدم له خلاصة افكاره على طبق الرومانسية الثورية الجديدة، وزرع بها ماسوف تعيشه كوبا بدون اميركا .. حقق الزعيم الكوبي انقلابا كبيرا في القدرة على تخطي حصار لا يمكن الصمود في مواجهته، لكنه واجهه، اعطاه الكوبيون ما أراده، منحوه النصر السريع قبل أن يجنيه بعد سنوات. ومع ذلك ابتسم الكوبيون لأوباما، لكنها نصف ابتسامة كما لا بد ان كشفها الرئيس الاميركي، اذ من الصعب ان تنسى الشعوب قساوة ما تعيش وهي تعرف من المسبب وما هو السبب. حتى ان المصريين ابتسموا له وصفقوا وهم يستمعون إليه في جامعة القاهرة، فيما الشعار الأكبر الذي لن ينساه المصري ان اميركا شريكا لإسرائيل في كل حروبها ضد بلادهم، بل ان طائراتها شاركت الطيران الحربي الاسرائيلي في الاغارة على تدمير الطيران المصري.
بعضهم يسمي ذلك وقاحة اميركية، اما العارفون بسياستها، فيعترفون ببراجماتيتها التي غمرت الارض وما زالت .. ولذلك لم نتفاجأ بزيارات بوش الابن على العراق في عز احتلال جيشها له، وقد نجد ذات يوم رئيسا اميركيا يزور سوريا على سبيل المثال رغم فعلها القبيح في هذا البلد، كما فعل نيكسون.
لا اعرف لماذا يبتسم الشعب الفيتنامي والكوبي والياباني وغيرهم لدولة قتلت او حاصرت وازدادت في غيها، سوى استحسان منطق القوة او الرهبة منه .. بل قد يصل الاستحسان إلى امنيات شعبية بالسفر الجماعي إلى الولايات المتحدة والعيش فيها مثل كل الشعوب التي هاجرت ورأت في اميركا ملاذا آمنا .. ام ان الشعوب تنسى، ام ربما هي الاجيال التي تتغير فيتغير معها مفهوم الإحساس الوطني. من المؤكد ان من عانوا حرب فيتنام وكانوا على قيد الحياة لم يخرجوا من بيوتهم لاستقبال الاميركي، بل اسروا لابنائهم واحفادهم بأحاسيسهم المعلنة لكنها المخبأة في وجدانهم.