تمضي السلطنة في مسيرة إقامة دولة المؤسسات والتنمية الشاملة بخطى ثابتة وطموحة وموضوعية، وعبر رؤية واضحة ومنهجية حكيمة بفضل راعي نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي يضع ميزانًا دقيقًا للتوازن بين الاعتبارات المرتبطة بإقامة ركائز العدل والمساواة واحترام حقوق الناس وصونها من جهة، وعملية إقامة البنية الأساسية لعُمان المستقبل على المستوى المدني.
وتعد القوانين بمختلف تشريعاتها ومصادرها من الأهمية بمكان داخل أي مجتمع من المجتمعات لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتنظيم العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، كما تكتسب أهميتها أيضًا من إقامة قواعد العدالة والمساواة، وإرساء مناخات الأمن والأمان ونمو وازدهار، بما يكسبها الاحترام من قبل المجتمع مؤسسات وأفرادًا، وكلما كانت هذه القوانين ذات قوة ونافذة، ونظرت إلى المتخاصمين الواقفين أمامها بمنظور المساواة ولا أحد فوقها مهما بلغت سطوته ومكانته، ومهما كان منصبه، اكتسبت هيبتها وزاد تقدير الناس لها. وتنظر القيادة الحكيمة في بلادنا إلى القضاء ومنظومة القوانين وما توفره من عدالة ومساواة نظرة عليا، لكونها عماد سلطة الدولة وأساس الديمقراطية التي تحمي الحقوق والحريات، وتضمن سمو القانون وتوطيد دولة الحق، وإحساس كل فرد داخل المجتمع بالعدالة والمساواة وأن الجميع أمام القانون سواء، ونافذ عليهم.
ويعكس مبنى المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء الذي احتفلت البلاد بافتتاحه يوم أمس قيمة العدل لدى باني دولة المؤسسات جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ وأهمية وحفظ حقوق الناس وحرياتهم واحترامها، وصون مكتسبات الوطن ومظاهر تنميته الشاملة، وأهمية القوانين والتشريعات في تنظيم شؤون أفراد المجتمع وعلاقتهم بمجتمعهم وبوطنهم ومنجزاته، ليكون هذا الصرح العدلي (المحكمة العليا) الشامخ على رأس الهرم القضائي في البلاد عنوانًا وطنيًّا رئيسيًّا لاستقلال القضاء، ولبسط مظلة العدالة والمساواة والأمن وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وكفالة حق التقاضي في إطار منظم ومستقر ومحايد احترام، وليكسب هذا الصرح الكبير القضاء العماني هيبته ووقاره واحترامه، من خلال مراقبة مدى سلامة تطبيق المحاكم للشريعة والقوانين، ومتابعة صحة الإجراءات والقرارات القضائية، فضلًا عن دوره في الإسهام في تطوير منظومة التشريعات الوطنية، ما يجعل المحكمة العليا بصرحها ذي الهيبة والوقار والجمال تحتل مكانة عظيمة في المجتمع وأفراده، وواجهة حضارية تضاف إلى رصيد المنجزات الحضارية في البناء الشامخ للدولة العمانية العصرية، كما أرادها مهندسها جلالة عاهل البلاد المفدى ـ أعزه الله.
ما من شك أن إنشاء المحكمة العليا يعد دعامة قوية لمظلة العدالة في البلاد، وأن من مقتضيات استقرار الدولة العمانية العصرية وتطورها ونمائها وتحضرها ورقيها، علو كعب القضاء واستقلاله، وتعزيز سيادة القانون الذي هو أساس الحكم في الدولة، وضمان الحقوق والحريات، وتسريع دورة العمل بما يحقق العدالة الناجزة ويمكِّن الناس من بلوغ حقوقها على الوجه الأكمل، من خلال الحرص على المزيد من الاستقلالية، والمضي قدمًا على طريق تطوير المؤسسات القضائية بما يرسخ دعائم دولة القانون والمؤسسات.
فالسيادة والاستقلالية للقضاء تبني الثقة وترسخها بين أبناء هذا الوطن، وتقوي أواصرهم وألفتهم ومحبتهم بالتزامهم بالقوانين، وترسخ الثقة والعلاقة بينهم ومع حكومتهم، وتعزز قيم الانتماء لوطنهم، بما ينعكس بالخير والحرص على مكتسبات وطنهم، وبالتالي يجعلهم مساهمين مساهمة فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن القانون ما شرع إلا لأهداف سامية يأتي في مقدمتها تحقيق العدل، فهناك ترابط وثيق بين فكرة العدل وفكرة القانون منذ وجوده، ومعروف عن أن العدل يتوج قمة الهرم القانوني على الدوام، ولذلك كان إصلاح القضاء وتمكينه وإعطاؤه استقلاليته الكاملة من الضرورات الحيوية التي تكسبه الهيبة والوقار وتجعله متصفًا بالصرامة والكفاءة والنزاهة.