قراءة ـ طالب بن سيف الضباري:
يمثل سوق العمل في السلطنة من اكبر التحديات التي تواجهة الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة القوى العاملة المعنية بالدرجة الاولى عن تامين القوى العاملة بشقيها الوطنية والوافدة للقطاع الخاص، في ظل عدم توفر التنسيق الكامل بين الاجهزة المعنية لتحديد الحاجة الفعلية من القوى العاملة التي تحتاج اليها سوق العمل تأكيداً للدور الهام للقطاع الخاص باعتباره أحد الركائز الأساسية للاستراتيجية التنموية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ولكونه أحد المقومات الرئيسية للتطوير والتنويع الاقتصادي ولتوفير فرص العمل الجديدة والمتجددة للشباب العُماني لتنمية قدراتهم وصقل مهاراتهم المهنية والعملية باعتباره المشغل الرئيسي للقوى العاملة الوطنية في، الوزارة وعلى مدى السنوات الماضية ظلت تعمل بصمت لعلاج مشكلة باتت تؤرق المجتمع وهي ارتفاع مؤشر القوى العاملة والوافدة والتي تعتبر قابا قوسين واقرب لتمثل نصف السكان وان كانت على مستوى بعض المحافظات تعدت حاجز النصف لتصل الى 60%، هذا اذا علمنا بأن التوجيه السامي للحكومة بأن لا تتعدى حاجز 33% في الوقت الذي وصلت فيه حتى الان الى 43% من نسبة السكان.
وعلى الرغم من حزمة الإجراءات التي اعلن عنها معالي الشيخ وزير القوى العاملة لمواجهة السباق المحموم لاستقدام القوى العاملة الوافدة، إلا ان هذا التوجه قوبل بالعديد من ردود الافعال السلبية من منطلق قناعة ترسخت على مدى اكثر من اربعة عقود بأن العامل والوافد يعتبره المواطن ثروة من خلال عائد مادي اقل ما يقال عنه على انه حسنة كل شهر يقدمها الوافد للمواطن، بينما هو يستاثر بالنصيب الاكبر تحت ما يسمى بالتجارة المستترة والتي تمثل من ابرز المعوقات التي تحد من نمو ما يسمى بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي هي عماد أي اقتصاد في العالم، إلا ان ذلك الانفلات الغير محسوب في تمكين الوافد من مقدرات الوطن يقف حجر عثرة امام تطبيق الكثير من الإجراءات المعنية بتنظيم سوق العمل، فالارقام التي اعلن عنها معالي الوزير في مؤتمره الصحفي تدل دلالة قاطعة على ان هناك خلل في تركيبة سوق العمل لن تستطيع وزارة القوى العاملة منفردة اصلاحه دون تضافر كل الجهات المعنية والتي تمثل الخطوات الاربع الاولى لتصريح الاستقدام.
ولا نعدو الحقيقية اذا قلنا ان الارقام التي اعلن عنها معالي الوزير في مؤتمره الصحفي ومن خلال العرض المرئي المتميز اظهرت بجلاء واقع سوق العمل التي اصبحت تسيطر عليه القوى العاملة والوافدة سيطرة تامة من خلال تواجد اكثر من مليون ونصف عامل وافد جلهم يرتكز في الدرجات الرابعة والثالثة مقابل قوى عاملة وطنية لا تمثل النذر اليسير بين الوافدة واذا كانت المؤشرات الاحصائية التي قدمها معالي الوزير اشارت الى التغيرات الديموغرافية للمجتمع بين نسبة العمانيين الى الوافدين خلال العشر سنوات الماضية والتي ارتفعت نسبة الوافدين خلال من (27.7 %) عام 2003م الى (34.9 %) عام 2010م والى (44 %) 2013م فإن هذا مؤشر تصاعدي خطير اذا ما قيس على مدى الحاجة الفعلية التي تطلبتها الخطط الخمسية السابقة خاصة السادسة والسابعة جزء من الثامنة وهذا يعني ان عدد المواطنين خلال عام 2013م بلغ (2229360) والوافدين (1751640).
صحيح كلنا يدرك ما شهده سوق العمل من تطور وتوسع في الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة الماضية إلا أننا لم نضع في الاعتبار العدد الفعلي الذي يتطلبه هذا التطور وذلك التوسع مما ادى بنا الحال في النهاية الى ادراك مدى الخطورة التي يمثلها تواجد (1.551.885) عاملاً وعاملة وافدة منها عدد (1.308.981) قوى عاملة وافدة بفئة الأعمال التجارية وعدد (242.904) قوى عاملة وافدة بفئة الخدمات الخاصة مما يعني هذا ان نسبة القوى العاملة الوافدة التي تعمل في سوق العمل تبلغ نحو (39 %) من العدد الإجمالي للسكان في عام 2013م وبالتالي فإن كل عامل وافد استقدم ليقدم خدماته لعدد (1,5) مواطن وهذه مقاربة ربما تكون غير صحيحه إلا اننا اردنا ان بين مؤشر من نوع اخر ربما لو استمر الحال والخلل في سوق العمل لوصلنا الى المعادلة المقلوبة.
العدد الكبير من القوى العاملة والوافدة ما نسبته (71.8%) مستواهم التعليمي أقل من شهادة دبلوم التعليم العام وهذا المؤشر يدل على ان قرابة المليون عامل وافد هم في هذا المستوى ربما نصفهم يعمل في قطاع الإنشاءات وفي أعمال لا تحتاج الى مهارة إلا ان هناك النصف الآخر هم من يعملون في قطاعات ومجالات عمل مختلفة تعمل كأداة ولا تسهم من قريب او بعيد في احداث التطوير او النقلة النوعية في مجالات العمل التي تمارسها هذا اذا علمنا بان جميعها إلا ما ندر تعمل تحت مايسمى بالتجارة المستترة وبدعم من المواطنين انفسهم والذي لا يتردد في تقديم كافة التسهيلات والدعم اللوجستي لها لتمارس هذا الدور من خلال شرعية قانونية لا تستطيع ان تصل اليها الجهات المعنية بمحاربة مثل هذه الظواهر، فضلا عن استغلال المواطن للأنظمة المتبعة في بعض الجهات الحكومية والتي تتيح له بالعدد اللامحدود من بعض الخدمات دون ان تكون هناك ضوابط تقنن طبيعة ذلك الاستغلال.
فهل يحق على سبيل المثال لمواطن ان يمتلك 300 سجل تجاري وبدرجات متفاوته وفي معظم الانشطة التجارية؟ الاجابة طبعا يحق له ذلك طالما ان القانون التجاري في البلد يسمح ذلك، واذا كان يسمح بذلك فهل ادرك القانون ان الجهات المعنية بعد ذلك ملزمة بتوفير العدد الفعلي على الأقل الذي يحتاج اليه من القوى العاملة الوافدة وان هذا العدد يترتب عليه التزامات مجتمعية يدفعها المجتمع من حصته في كل انواع الخدمات والتي تزيد صعوبة الحصول عليها بتزايد ارتفاع مؤشر الوافدة.
واذا كان البعض يدعي جدلا بأن زيادة المنشآت والشركات في سوق العمل بطريقة الهرم المتبعة في الوقت الحالي وبوجود عدد (147438) منشأة موزعة وفقاً لدرجاتها في السجل التجاري مؤثر فاعل في تعزيز عملية التشغيل وزيادة نسب التعمين في القطاع الخاص فإن البيان الصحفي لمعالي الوزير اوضح بان منشآت (بالدرجات العالمية والممتازة والاستشارية والأولى) هي الأكثر تشغيلاً للقوى العاملة بأجر في القطاع الخاص حيث بلغ مجموع العاملين فيها (817352) عاملاً وعاملة يشكلون نسبة (53.3%) من العدد الإجمالي للقوى بأجر في هذا القطاع، ويعمل بهذه المنشآت عدد (214496) مواطناً ومواطنة يشكلون نسبة (95.5%) من إجمالي العاملين من القوى العاملة الوطنية بأجر في القطاع الخاص وعدد (602856) عاملاً وافداً يشكلون نسبة (46.1%) من العدد الإجمالي للقوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص.وبلغت نسبة التعمين في هذه المنشآت (26.2%) اما منشآت (بالدرجات: الثانية والثالثة والرابعة) هي الأقل تشغيلاً للقوى العاملة الوطنية والأكثر تشغيلاً للقوى العاملة الوافدة، يعمل فيها عدد (716.327) عاملاً وعاملة يشكلون نسبة (46.7%) من إجمالي العاملين بأجر في القطاع الخاص منهم: عدد (10.202) مواطناً ومواطنة يشكلون نسبة (4.5%) من العدد الإجمالي للقوى العاملة الوطنية بأجر في القطاع الخاص وعدد (706.125) عاملاً وافداً يشكلون نسبة (53.9%) من إجمالي عددهم في القطاع الخاص بنسبة تعمين في هذه المنشآت (1.4%).
هذا الخلل في سوق العمل والذي وصل الى مستوى دفع بمعالي الشيخ وزير القوى العاملة الاعلان عنه لاول مرة من خلال المؤتمر الصحفي يعطي الوزارة مبرر كاف لاتخاذ كافة اساليب وإجراءات وخطوات المعالجة بطريقة شبة انفرادية بعد ان تعذر عليها العمل من خلال منظومة عمل موحدة، والتي تحتاج الى المزيد من الوقت ربما سنصل في النهاية الى الهرم المقلوب الذي تعاني منه في الوقت الحالي بعض الدول المجاورة، انطلاقا من اتخاذها لعدد من الإجراءات القانونية المستمدة من احكام قانون العمل وتلك التي تنظم عمل القوى العاملة والوافدة في البلاد بتكثيف الحملات التفتيشية لضبط مئات الالاف منها والتي تعمل بطريقة غير مشروعة والتي لاشك تؤثر بطريقة او باخرى على التوجه الذي بدأت الحكومة توليه كل عناية من خلال تشجيع الباحثين عن عمل لممارسة العمل الحر والتشغيل الذاتي بإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تعد عماد أي اقتصاد وطني في العالم.
وبعيدا عن العاطفة ومصالحنا الشخصية التي هي في الاساس مصالح فردية للاسف الشديد ليست ذات عائد ذي تاثير ايجابي على دخل الفرد صاحب المصلحة، بقدر ما تصب بثقلها المالي على الوافد، فإن حقيقية الارقام في البيان تدعونا بمنطقيتها الى التوقف معها، فهل يعقل ان تكون لدينا حوالي 130 الف منشأة في ثلاث درجات الثانية والثالثة والرابعة منها فقط حوالي 103 الاف في الدرجة الرابعة ويعمل فيها حوالي اربعة الاف مواطن؟ بينما يرتكز ما تبقى من اعداد للمواطنين في القطاع الخاص وعددهم حوالي 214 الف في حوالي 17 الف ونصف منشاة من باقي الدرجات، اذا ما هي القيمة المضافة التي اضافها ذلك الكم الكبير من المنشات في 3 درجات فقط؟.
وبتحليل بسيط لو افترضنا ان لدينا 100 الف منشاة بعد ان نستبعد 30 الف منشاة منها على اعتبار انها تمثل منشات مسجل فيها عامل مواطن واخرى في انشطة الحلاقة وكي الملابس وغيرها من المهن القريبة منها، وكل منشاة وظفت مواطن واحد وبراتب الحد الادنى الشهري المعتمد 325 ريالا عمانيا، فان النتيجة 100 الف مواطن حصل على فرصة عمل حتى وان كان صاحب المنشاة او احد اقاربه وكسب سوق المحلي سيوله نقدية تقدر بحوالي 32 مليون و500 الف ريال عماني في الشهر وحوالي 390 مليون ريال عماني في السنة وهذه مقاربة بسيطة ربما المبلغ اكبر من ذلك بكثير، فضلا عن استفادة هذا العدد من المواطنين بالاشتراك في نظام الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وما فيه من امتيازات في مقدمتها الراتب التقاعدي لما بعد الخدمة، وفي النهاية كلنا يدرك بأن كل هذه المبالغ التي ستدفع لن تكون من جيب صاحب المنشاة المقتنع في الوقت الحالي بالحصول على 20 او 30 ريالا شهريا، وانما من الوافد المالك الفعلي وبالتالي فان حزمة الإجراءات التي اعلن عنها معالي الشيخ الوزير هدفها الاساسي معالجة الخلل الواضح في سوق العمل، سواء اكان ذلك من خلال التشديد على عملية الاستقدام وتطبيق العقوبات ومراقبة سوق العمل المستمرة، إلا انها في الوقت ذاته وبنفس القوة تسعى الى تصحيح مسار امام انطلاقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفتح المجال لعشرات الالاف من الباحثين عن عمل الأعمال الحرة ويديروا منشاتهم بأنفسهم دون رقيب او وصاية او استغلال لمسيماتهم التجارية والحد من الفوضة التي وصلت الى درجة التاثير ليس فقط الاقتصادي والتجاري وانما الاجتماعي والثقافي والامني والقيمي على المجتمع.
وحسب ما اعلن عنها معالي الشيخ الوزير من إجراءات فذلك لا يعني تعطيل الحركة الاقتصادية والتجارية الجادة وانما لغايات تنظيم وضع القوى العاملة في سوق العمل من خلال إجراءات بالإيقاف المؤقت لاستقدام القوى العاملة الوافدة في انشطة ومهن الإنشاءات وهي التي تعتلي قمة هرم الخلل التنظيمي لسوق العمل وأعمال النظافة وغيرها من المهن التي لا تستدعي الحاجة الى التصريح بها في الوقت الحالي، فضلا عن اشتراطات يتعين توفيرها عند استقدام أو تجديد بطاقات القوى العاملة الوافدة الموجودة على رأس عملهم مثل عقود الإيجارات وعدادات الكهرباء وربط التعيين بمدة المشروع والحظر لمدة عام كامل للشركات المشغلة لقوى عاملة المخالفة والحظر على المنشآت التي لديها بطاقات عمل منتهية والغير مستكملة الإجراءات والتي بطبيعة الحال لن تؤثر هذه الإجراءات إلا على المنشآت التي ليس لديها اساس اداري وهيكلي.
إلا ان كل ذلك ان لم يستند على عدد من المحددات والتي هي في الواقع ضرورية واساسية للمعالجة الجذرية لمعضلة سوق العمل فإن الحال سيبقى على ما هو عليه وستبقى القوى العاملة وحدها في خط المواجهة، من ابرز تلك المحددات ان تكون هناك منظومة عمل متكاملة تضم كل الجهات المعنية بسوق العمل وتوفير الدعم اللامحدود للاجهزة المعنية بمراقبة القوى العاملة والوافدة وكيفية استخدامها وعدم التهاون في تطبيق الإجراءات التي نصت عليه القوانين والأنظمة واللوائح والقرارات الوزارية وان يعطى هذا التطبيق الشرعية القانونية اللازمة.