الأحوال الشخصية "70" نفقة الأصول على الفروع
ذكرنا في الحلقة السابقة – ونحن نتناول نفقة الأقارب – نفقة الفروع على الأصول أي نفقة الأولاد على أبائهم، وسنذكر في هذه الحلقة – بمشيئة الله وتوفيقه – نفقة الأصول على الفروع
يقصد بنفقة الأصول على الفروع نفقة الأبوين على اولادهمافللوالدين حق عظيم على أبنائهم فهما أساساً وجودهم في هذه الحياة، ويكفي أن الله عز وجل قرن برهما والإحسان إليهما بعبادته يقول الله تعالى:(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (سورة الاسراء الآية 23)، ومن مقتضى الاحسان إلى الوالدين برهما والإنفاق عليهما إذا كان محتاجين، ومن الآيات الدالة على وجوب نفقة الوالدين قول الله عز وجل:(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) (سورة العنكبوت الآية 8)، ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما.
أما من السنة النبوية، فعن ام المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه).
اما الاجماع فقد انعقد الاجماع على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا مال لهما واجبة على ولدهما ذكراً كان أم أنثى يقول الامام السالمي – رحمه الله ـ في الجوهر:
وحيثما كان الزمان دائرا
فالحق للوالد صار أخرا
فيلزم الابن بأن يقوما
بوالديه واجبا محتوما
فينفقن عليهما إن عجزا
ويمنحن الكل أحسن الجزا
واختلف الفقهاء إذا كان الوالدان قادرين على الكسب هل تجب نفقتهما على أولادهما:
ذهب بعض الفقهاء: إلى وجوب نفقة الوالد على الولد ولو كان والده قادراً على الكسب وحجتهم أن ذلك يتفق مع ما أمر الله به من البر بالوالدين والإحسان إليهما.
وذهب بعض الفقهاء إذا كان الوالدان قادرين على الكسب فلا يجب على أولادهم نفقتهما وحجتهم أن القدرة على الكسب كاليسار بدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سوى بين الفتى بماله، والقادر على الكسب في تحريم الزكاة فقال (صلى الله عليه وسلم):(لا تحل الزكاة لغني ولا لذي مرة قوي).
وقد أوجب القانون على الولد الموسر نفقة والديه المعسرين حيث نصت المادة "63 / أ" من قانون الأحوال الشخصية على أنه:"يجب على الولد الموسر، ذكراً أو أنثى ، كبيراً أو صغيراً نفقة والديه إذا لم يكن لهما مال يمكن الانفاق منه".
فقد أوجب هذا النص على الولد الموسر نفقة والديه إذا كان لا مال لهما ولم يفرق القانون بين الولد الصغير والكبير .. الذكر والأنثى.
وإذا كان للوالدين مال ولكن لا يكفي لنفقتهما كأن يكون لوالدهم دخل ضئيل من راتب أو نحوه ولكن لا يكفي لمستلزمات المعيشة وكان الأولاد موسرين يلزمهم إكمال نفقتهما بما يغطي احتياجاتهما فقد نصت المادة "63 / ب"من قانون الأحوال الشخصية على أنه:"إذا كان مال الوالدين لايفي بنفقتهما، ألزم الأولاد الموسرون بما يكمله".
وإذا كان دخل الولد في مقدار نفقته ونفقة زوجته وأولاده ووالداه فقيران وجب على الولد أن يضمهما معه ويعولهما وليس عليه عندئذ أن ينفقهما استقلالاً وإنما يشاركانه في السكن والطعام والشراب حيث نصت المادة "65" من قانون الأحوال الشخصية على أنه:"إذا كان كسب الولد لا يزيد عن حاجته، وحاجة زوجته وأولاده، ألزم بضم والديه المستحقين للنفقة إلى عائلته".
وإذا تعدد الأولاد ذكوراً او إناثاً أو ذكوراً وإناثاً وكانوا موسرين يجب عليهم جميعاً نفقة والديهم بالتساوي عند بعض الفقهاء سواء كان الولد ذكراً أو أنثى، وعند بعض الفقهاء: أن النفقة تكون بين الذكور والاناث للذكر مثل حظ الأنثيين أي حسب حصصهم من الإرث.
وقد نص قانون الأحوال الشخصية على أن تكون نفقة الوالدين على أولادهم بحسب يسر كل واحد منهم فقد نصت المادة (64 / أ) منه على أنه:"توزع نفقة الأبوين على أولادهما بحسب يسر كل واحد منهم."
وحسن ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية فقد يكون دخل احد الأولاد الف وخمسمائة ريال عماني مثلاً والآخر خمسمائة ريال عماني وليس من العدالة أن تكون النفقة بينهما بالتساوي وأيضاً قد تكون لدى أحد الأولاد التزامات أكثر من الأخر فينبغي ـ من وجهة نظري ـ أن يراعى هذا الجانب، فعلى سبيل المثال: يتساوى ولدان في الدخل، لكن أحدهم لديه عائلة من خمسة أولاد والآخر لا توجد عنده عائلة فتراعى مثل هذه الأحوال وإذا سمح أحد الأولاد من تلقاء نفسه بالنفقة على أبويه ورضي بذلك فلا يحق له مطالبة إخوته بما أنفقه على ابويه وإذا كان الانفاق بحكم قضائي على الأولاد وأدى واحد منهم النفقة جاز الرجوع على اخوته بما أنفقه وعلى هذا نصت المادة "64 / ب ـ ج" من قانون الأحوال الشخصية:(ب ـ إذا أنفق أحد الأولاد على أبويه رضاء فلا رجوع له على إخوته، ج ـ إذا كان الإنفاق بعد الحكم عليهم بالنفقة، فله أن يرجع على كل واحد منهم وفق الحكم).
.. وللحديث بقية.
د/ محمد بن عبدالله الهاشمي
قاضي المحكمة العليا ـ رئيس محكمة الاستئناف بإبراء
alghubra22@gmail.com