يعد التعليم أحد أهم القطاعات التي تسعى الدول باختلاف توجهاتها ومشاربها إلى الرقي به. فبالعلم ترقى الشعوب وتسمو الأمم، وبه تشاد وتعمر الأوطان وهو مقياس تقدم الدول، ولعل المتابع لمسيرة النهضة المباركة يجد أنها بدأت برؤية سعت إلى التعليم ولو تحت ظل شجرة، بل إن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قد سبق هذا التوجه بتأملات قبيل تسلمه زمام الحكم، حيث أشار في أحد خطاباته السامية إلى أن التعليم كان أهم ما يشغل بال جلالته وهو يراقب تدهور الأمور من داخل بيته في صلالة، لتأتي رؤيته السامية بحتمية توجيه الجهود في الدرجة الأولى إلى نشر التعليم، وقال جلالته ـ أعزه الله كلمته الخالدة : فلما أذن الله بالخلاص من سياسة (الباب المغلق) كان لنا جهاد وكان لنا في ميدان التعليم حملة بدأت للوهلة الأولى وكأنها تهافت الظمآن على الماء.
وتأتي مناقشة مجلس الشورى معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم، تعبيرا عن النهج السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ القاضي بضرورة تضافر جهود كافة مؤسسات الدولة. فالتعاون هو ما يدعم البنيان والنماء والاستقرار، وهو مسؤولية وطنية جسيمة يجب على مجلس الشورى وباقي مؤسسات الدولة تحملها بوعي وإدراك حتى يقوم بدوره الذي سيساعد البلاد بالسير نحو مُستقبل أكثر اشراقا، خصوصا فيما يتعلق بقضايا التعليم، الذي قامت عليه الفلسفة النهضوية التي اعتمدها جلالة السلطان ـ أبقاه الله ـ لأن التعليم من يصنع الانسان، الذي جاءت النهضة منه وإليه.
ومع هذا التوجه السامي، مضت السلطنة بخطوات ثابتة في تطوير مسيرتها التعليمية، فكانت الخطط الخمسية من الأولى وحتى الرابعة، تركز على نشر التعليم في كافة ربوع السلطنة، بدأت السلطنة منذ الخطة الخمسية الخامسة تستهدف تجويد التعليم لبناء مواطن عُماني قادر على خدمة وطنه ومجتمعه، والتفاعل مع العالم الخارجي، واستمر هذا التوجه حتى الخطة السابعة، لتأتي الخطتان الثامنة والتاسعة سعيا في تقييم شامل لمنظومة التعليم بكافة مكوناتها، وقد جاءت منسجمة مع مضامين الاستراتيجية الوطنية للتعليم في السلطنة (2040)، مع الاستمرار في تنفيذ بعض البرامج التربوية التي أكدت عليها الخطط السابقة وفق متطلبات الواقع، وظروف العمل.
ومع هذا التطور النوعي كان التطور الكمي حاضرا حيث بلغ عدد المدارس الحكومية في العام الدراسي الحالي 2015/2016م (1068) مدرسة، تضم (540.069) طالبا وطالبة، يعمل بها (56.586) معلماً ومعلمة، بالإضافة إلى ما يقارب (12.000) موظف وموظفة، يعملون في الجوانب المرتبطة بالتدريس. أما المدارس الخاصة فقد بلغ عددها (574) مدرسة، يعمل بها (10.984) معلما ومعلمة، في حين بلغ عدد الدارسين بها (162.285) طالباً وطالبة، وقد استطاعت السلطنة تنفيذ (93) مبنىً مدرسياً جديداً، من أصل (166) مبنىً مدرسياً معتمداً بالخطة الثامنة، بكلفة إجمالية قدرها (126) مليون ريال عماني تقريباً؛ كما تم تطوير (744) مبنى مدرسيا، وذلك من أصل (950) مبنى مدرسياً استهدفت خلال الخطة الثامنة، بنسبة إنجاز بلغت (78%)، بكلفة إجمالية قدرها (92) مليون ريال عماني.
أما بالنسبة للمدارس القائمة مكتملة المرافق التي تحتاج إلى ترميم، فقد تم خلال سنوات الخطة ترميم (225) مدرسة، بنسبة إنجاز (100%)، وذلك بالإضافة إلى مئات المباني المدرسية الأخرى التي شملتها عملية الصيانة.
وبرغم هذه الطفرة التي شهدتها السلطنة في التعليم كما وكيفا إلا أن مسيرة التطوير التربوي تشكل تحديا كبيرا لمواصلة هذه الطفرات الناجحة، في قطاع التعليم، وأبرز تلك التحديات التي تواجه الحكومة تأتي في قلة أعداد
المخرجات التربوية من العمانيين في بعض التخصصات العلمية، بالإضافة الى ارتفاع كلفة إقامة مدارس جديدة، إلا أنه بفضل الخبرات المتراكمة والاستفادة القصوى من التجارب الناجحة وبالتعاون والتعاضد بين كافة المؤسسات التشريعية والاستشارية والتنفيذية، تستطيع السلطنة مواصلة مسيرتها الكبيرة في مجال التعليم والتغلب على كافة التحديات التي تواجهها في هذا المجال وكافة المجالات التنموية الأخرى، خاصة في ظل المتابعة المستمرة والتوجيه والتحفيز من لدن قائد مسيرة النهضة المباركة جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه.