عبد الله بن ناصر البحراني

قد تكون كلمة لعبة في ثقافتنا العربية مقتصرة على وسيلة ترفيهية مرتبطة بمرحلة عمرية معينة تتم بين شخص أو اثنين أو أكثر، ومن العرف إنها لا تتناسب مع الراشدين أو من هم في المراحل السنية المتقدمة .. ولكن مع التقدم التكنولوجي التقني وتطور صناعة الألعاب الإلكترونية بمنصاتها المختلفة وظهور تقنيات التصميم ثنائية وثلاثية الأبعاد فقد زاد ذلك من شدة اقتراب الصورة في اللعبة من الواقع الحقيقي بشكل كبير، ومع تطور شبكات الانترنت وسرعة تدفق بياناتها وظهور مفهوم الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة ظهر أيضاً مفهوم تقني جديد يسمى بالواقع الافتراضي وهذا كله بدوره يعزز من الحصول على البيانات على اختلاف أشكالها سواء كانت مكتوبة أو صوتية أو مرئية بشكل بسيط، ومن خلال دمج صناعة وتصميم الألعاب المتطورة بمفهوم عمل الحوسبة السحابية والواقع الافتراضي أدى إلى تطور ما يسمى بالألعاب الجادة، حيث أن لهذا المصطلح التخصصي استخدامات كثيرة ومؤثرة من واقع تجربة بشكل كبير، والتي تمكننا من خلالها التعامل مع حواس الإنسان كحاسة النظر والسمع ويتبعها في ذلك عنصر التصديق والتفكير لتجعله يعيش أو يشعر بما هو في الأساس غير موجود في الواقع الحقيقي، (كأن يرجع في الزمن للوراء ليعيش في حقبة زمنية غابرة كعصر الديناصورات ورؤيتها والعيش في وسطها ودراستها وكأنها حقيقية)، وتمكينه من اختبار هذا الواقع والعيش لفترة زمنية معينة به، لذلك فللألعاب الجادة وفي وقتنا الحالي ولمختلف التخصصات فكرة ايصال المعلومة للمتلقي بطريقة تفاعلية تجعلها تلتصق به من واقع تجربة أكثر من إنها معلومة نظرية قرأها وتخيلها حسب قدراته العقلية.

وقد زادت في السنوات الأخيرة فكرة تذليل الألعاب الجادة في مختلف التخصصات العلمية والعملية، فعلى سبيل المثال فقد اطلعت قبل فترة زمنية بسيطة على إحدى التجارب بالمملكة المتحدة من خلال تطوير لعبة جادة لطلبة المدارس الهدف منها زرع مفهوم الأعمال الخاصة والحرة لدى المتعلمين، حيث تقوم اللعبة على تشكيل مجموعات من الطلبة وإنشاء شركات افتراضية يتم من خلالها التعامل بالمصطلحات والقوانين الحقيقية في مجال انشاء الشركات وما تتطلبه من شروط أساسية لتضمن نجاحها وتحقيق الأرباح والاستدامة في ذلك وبعد ذلك يتم تقييم الشركات واختيار الأفضل لتكون هي التي تتوج كأفضل شركة .. فلو نظرنا لهذا المثال لوجدنا أن الطلبة ومن خلال منصة الألعاب الجادة على أجهزة الحاسوب أو الأجهزة اللوحية استطاعوا وبشكل عملي من الشعور الفعلي بالشركة التي انشأوها وقاموا بإدارتها وتعايشوا معها والتعرف على عناصر النجاح وعناصر الفشل بها وقد ساعد وعزز ذلك وجود عنصر المنافسة مع المجموعات الأخرى سواء كانوا على مستوى مدرستهم أو المدارس الأخرى، وبذلك تضمن تحقيق الهدف وإيصال فكرة الأعمال الخاصة، وأن يكون الطالب بعد التخرج مصدرا منشئا للأعمال وليس باحثاً عن عمل.
ذلك فقط مثال بسيط من واقع استخدام الألعاب الجادة في المجالات المختلفة. توجد أيضاً على الانترنت مواقع مخصصة للألعاب الجادة والحياة الافتراضية قامت بتأسيسها جامعات تقوم من خلالها بالسماح لمن يرغب بالتجول مثلاً بالحرم الجامعي ومرفقاته والتعرف على محتوياته والتسجيل وتجربة الدراسة والعيش بها من خلال مصطلح يسمى بالحياة الثانية second life .. كما أن هذا المصطلح بحد ذاته له شركات قائمة عليه تعطي لمن يريدون تجربة العيش بشخصية أخرى وحياة مختلفة عن واقعه إمكانية ذلك، إن ما نتحدث عنه هنا يختلف تماماً عن مجال تقنية المحاكاة simulation الذي يوفر للشخص امكانية تجربة شيء ما دونما التعرض للمخاطر كقيادة طائرة أو سيارة سباق وغيرها فذلك مجال مختلف له محدودية في عملية التعامل .. ولكن يمكننا أن نقول بأن المحاكاة تدخل ضمن فكرة الألعاب الجادة في محاكاة الواقع الافتراضي والعكس هنا غير صحيح، لذلك فالألعاب الجادة يمكننا من تخصيصها في خدمة التعليم والتدريب والصحة وتخطيط المدن وغيرها الكثير من الاستخدامات التي تضمن استخدام الآلية الصحيحة في إيصال المعلومة والشعور بالنتيجة قبل عملية التطبيق الفعلي على أرض الواقع، وقد تتفاوت الفترة الزمنية التي يتم فيها التعامل مع الألعاب الجادة قد تمتد لأسابيع أو أشهر حسب فكرة وهدف مشروع اللعبة وحالياً تتوفر على الانترنت الكثير من مواقع الشركات والمؤسسات العالمية المعنية بتطوير الألعاب الجادة وتخصيصها حسب طبيعة المشروع وأهدافه، فهل قمت بتجربة لعبة جادة من قبل ؟!