[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
العودة السريعة للـ(وسيط) جون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى فلسطين المحتلة للقاء حلفاء بلاده المحتلين وكذلك للقاء القيادة الفلسطينية على خلفية رفض الأخيرة تمديد المفاوضات وابتزاز المحتلين الصهاينة برفضهم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، هي عودة يبدو أنها لن تكون مختلفة عن سابقاتها، وهذا الاعتقاد ليس من قبيل التشاؤم أو تسويد الصورة، بل انكشاف لوعود معسولة وآمال كاذبة لا تدعمها أي عناصر أو أدوات للمصداقية وحسن النية على الأرض، بل إن كل ما يجري يُعقد أي فرص للتوصل إلى مجرد حل مؤقت وليس اتفاقًا للسلام.
فراهن المفاوضات أفرز الدور الأميركي وموقعه منها، وبدل أن يكون في خانة الوسيط النزيه الواقف على مسافة واحدة بين الطرفين المتفاوضين، عُدَّ طرفًا داعمًا لطرف المحتلين الصهاينة، بل إن كيري في فترات كثيرة من المفاوضات كان الطرف المفاوض باسم حلفائه المحتلين، وقد بدا ذلك جليًّا من خلال ضغوطه على الجانب الفلسطيني للتخلي عن مطالب وقف الاستيطان أو تجميده مقابل قبول استئناف المفاوضات، واليوم يواصل ضغوطه على الفلسطينيين للقبول بالشروط التعجيزية والإملاءات الصهيونية المتمثلة في ما يسمى "يهودية الدولة" والتنازل عن حق عودة اللاجئين وعن حدود عام 1967م وعن القدس. وكان كيري نفسه ـ صاحب الكلام المعسول عن حمل التسعة الأشهر الكاذب ـ أعرب في حديث مع عدد من أعضاء الكونجرس الأميركي عن اعتقاده أن كيان الاحتلال الصهيوني قد يحتفظ في نهاية المطاف بنحو 85% من الكتل الاستيطانية في الضفة تحت سيادته وضمن حدوده، فإلى أي حد بلغت نزعات الاستخفاف مبلغها بالأميركي وبالمحتل الصهيوني عندما يعمدان لحيك المؤامرات لجر الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات تسلمهم فتات الأرض بعد تشظيتها وتمزيقها بالمستوطنات والكتل الاستعمارية، التي تقضي عمليًّا على فرص قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهو الهدف الفلسطيني العربي من أي مفاوضات مقبلة.
السؤال الأهم هنا: لماذا الإصرار الصهيو ـ أميركي على تمديد المفاوضات واستخدام المحتل الصهيوني والأميركي العصا والجزرة ووسائل الترهيب والترغيب والابتزاز ضد الفلسطينيين للقبول بتمديدها؟
إن كافة المواقف الصهيونية منها والأميركية قبل وأثناء المفاوضات تعطي انطباعًا يصل إلى حد القناعة التامة والمطلقة أن هناك تكاملًا وتنسيقًا يتم فوق الطاولة وتحت الطاولة ووراء الكواليس بين الحليفين المحتل الصهيوني والأميركي لإعداد طبخة تصفوية مسمومة، يحاولان إتمامها مع قوى عربية وإقليمية عبر مساومات ومقايضات في ملفات متعددة من بينها ملف الأزمة السورية، واللافت أن هذا العمل التكاملي يسير مع استمرار الجرائم الديموغرافية الصهيونية على الأرض، والرامية إلى تغيير التركيبة الإنسانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ولذلك كان لافتًا استيلاء كيان الاحتلال الصهيوني على ثلاثمئة دونم جنوب محافظة نابلس بالضفة الغربية لإنشاء مستعمرات جديدة، وذلك قبيل وصول جون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى كيان الاحتلال أمس والذي لم يعلن أي موقف عن هذه السرقة الجديدة، ما يؤكد التفاهم التام بين المحتل الصهيوني وحليفه وداعمه.
على الجانب الآخر، يتبين من إصرار كيان الاحتلال الصهيوني ومعه الولايات المتحدة على تمديد المفاوضات هو العمل على تجميد المسار السياسي للسلطة الفلسطينية وشل فعاليته للتغطية على المسار الاستيطاني الاحتلالي، فالشهور الثمانية من المفاوضات ـ وحسب تأكيدات المسؤولين الفلسطينيين ـ قيدت القيادة الفلسطينية، وجعلتها "تدفع الثمن غاليًا" حين منعت من التوجه للأمم المتحدة للالتحاق بعضوية المنظمات الدولية. وهذا (أي العضوية) ما يرفضه كيان الاحتلال الصهيوني رفضًا تامًّا، ويلوح بأعمال إرهابية ضد السلطة والشعب الفلسطيني في حال اتجهت إلى المنظمات الدولية وتفعيل عضوية فلسطين.
إن وسائل الابتزاز هذه التي يمارسها المحتل الصهيوني والأميركي وبهذه الصورة الفجة تعكس الواقع المؤلم الذي وصله إليه حال الوضع العربي، وتعبر عن مسعى الغرب الامبريالي الاستعماري لمواصلة حصد ثمار "ربيعه العربي" حتى النهاية بما يحقق مصالحه ومصالح حليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني. وبغض النظر عن قبول السلطة الفلسطينية تمديد المفاوضات والرضا بالابتزاز بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى مقابل الموافقة على التمديد مع رفض الاحتلال تجميد الاستيطان، فإن الشعب الفلسطيني هو سيد الموقف وهو صاحب الحق والقرار، وفي تقديري لن يصمت، فمن صمد وقاوم احتلالًا غاشمًا لأكثر من أربعة وستين عامًا، مستعد أن يواصل نضاله وصموده أضعافًا مضاعفة لتلك الفترة.
غير أن مسؤولين في السلطة الفلسطينية يتحدثون عن وجود خطة فلسطينية معدة مسبقًا، حال فشلت جهود المفاوضات، والتي تتمثل بالالتحاق بالمنظمات الدولية، وملاحقة كيان الاحتلال الصهيوني، وتصعيد النضال الشعبي، والتسريع في إتمام المصالحة. وفي اعتقادي أن هذه الإجراءات وغيرها يجب أن يرتفع سقفها وخاصة وأن حقيقة المفاوضات ومآلاتها قد عرتها المواقف الصهيو ـ أميركية، وبالتالي لا تحتاج إلى عناء جهد لاستنتاجها في الوقت الذي أيد فيه الكنيست الصهيوني مشروع قانون يقضي بإجراء استفتاء شعبي على أي اتفاق يتم الوصول إليه أو اقتراح لتبادل الأراضي مع الفلسطينيين، وهو ما يضع تنفيذ أي اتفاق قد يتم توقيعه تحت رحمة هذا الاستفتاء والحالة المزاجية للشارع "الإسرائيلي" المتطرف بطبعه حتى في أزهى عصور السلمية، أي أن عراقيل المفاوضات ومتاريسها ستنتقل من الخارج إلى الداخل.