[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
ما ساقه المدعو محمد علوش الموصوف بأنه "كبير المفاوضين" لـ"معارضة الرياض"من أسباب لتبرير استقالته، يشبه في شكله ومضمونه الساخر، تلك السخرية التي تساق في مجال الرياضة حول اللاعب حين يفشل ويتعرض للهزيمة فلا يجد شماعة يعلق عليها فشله وهزيمته سوى القول بأن "الملعب كان ضيقًا".
فقد أرجع "علوش" أسباب استقالته إلى فشل مباحثات مؤتمر جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة في تحقيق تسوية سياسية أو تخفيف معاناة السوريين في المناطق المحاصرة، رافعًا بذلك عن كاهل المعارضات التي يقودها المسؤولية الكاملة في إفشال المحادثات، محاولًا إسدال الستار على الأدوار الوظيفية المسندة إليه وبقية رموز المعارضات/الواجهة في عملية التعطيل والإفشال للحل السياسي، وإفراغ التفاهمات الروسية ـ الأميركية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة وخاصة القرار رقم (2254) من مضامينها، تارة بالانسحاب من المحادثات بزعم الحرص على الجوانب الإنسانية وأهمية إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وتارة باتهام وفد الحكومة السورية بعدم الجدية والبدء بالتفاوض حول المرحلة الانتقالية بتشكيل مجلس حكم يتولى تسيير شؤون الدولة السورية وليس للرئيس السوري بشار الأسد دور فيه.
ووجه الشبه بين حال اللاعب الفاشل المهزوم وحال وفد "معارضة الرياض" بهويته العلوشية المهزوم والمأزوم والمنكسر، هو أن كليهما لا يملكان ما يمكِّنهما من تعديل الموازين أو تغيير معادلة الفشل والهزيمة إلى نجاح ونصر، وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن استقالة "علوش" قائد ما يسمى "جيش الإسلام" الإرهابي الذي لا يزال يمارس أبشع جرائمه بحق الشعب السوري والتي ـ حسب مصادر ـ أبرزها وضع النساء والأطفال في أقفاص فوق سطوح البنايات والمنازل لاتخاذهم دروعًا بشرية وللانتقام منهم على مواقفهم الوطنية، هي استقالة في شكلها تندرج ضمن تدوير الزوايا بإعادة الفك والتركيب في جسم "معارضة الرياض" بضرورة اختفاء رموز عن واجهة المشهد مع مواصلة ممارسة الأدوار وراء المشهد تنفيذًا لإملاءات الأسياد والمُشغِّلين، لكنها (أي الاستقالة) في المضمون لن تحيد عن المسار الوظيفي المرسوم لـ"لمعارضات"، واللعب بعامل الوقت بدخول الجميع في متاهة محادثات جنيف،وغير مطلوب الخروج من مخرج الحل السياسي وإطالة عمر الإرهاب، انتظارًا لما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية ومجيء إدارة أميركية جديدة يمكن أن تنهج نهجًا مغايرًا لنهج إدارة الرئيس باراك أوباما، علَّها تتقدم خطوات أكبر باتجاه تقديم المزيد من الدعم النوعي من الأسلحة المتطورة للعصابات الإرهابية، وتبديل في الاستراتيجية "الأوبامية" المعلنة عبر عنوانها العريض الكاذب "محاربة تنظيم داعش" الإرهابي.
من حق الروس أن يقرأوا في استقالة "علوش" بأنها ستجعل مناخ المحادثات أفضل من السابق بحكم الرفض السوري ـ الروسي التفاوض مع إرهابي يداه ملطختان بدماء الشعب السوري، لما فيه من إهانة واضحة لمشاعر الضحايا السوريين وأسرهم وأقاربهم، ومحاولة بارزة لإضفاء الشرعية على الإرهاب الذي ينحر الشعب السوري من الوريد إلى الوريد، إلا أن عملية التمييز بين رموز "المعارضات" باتت غير قابلة لا للصرف ولا للتداول، فجميعهم في خندق الإرهاب، منهم من يمارسه بصورة شخصية وعلنية، ومنهم من يدعمه ويوفر له الغطاء، وبالتالي الإتيان بأي شخصية بديلة لـ"محمد علوش"، من أي صف كانت من الصف الثاني أو الثالث أو حتى الأول لن تختلف في الدور الوظيفي وفق ما يمليه عليها سيداها الصهيوني والأميركي (طبعًا ما عداهما مجرد أدوات ومصادرتمويل ودعم)، حتى لو فُسِّرت عملية الفك والتركيب في إطار الفرز الذي يريده الروس وهو ابتعاد التنظيمات الإرهابية المتحالفة مع ما يسمى "جبهة النصرة" ومكافأتها بإشراكها في العملية التفاوضية والحل السياسي، فإن عامل الخبث والمكر يبقى حاضرًا، وذلك من حيث التعويل على "جبهة النصرة" في حرب استنزاف سوريا وروسيا ومن معهما، في حين يتكفل الداعمون والممولون وعبر أذرعهم الإرهابية التي ادَّعت ابتعادها عن "جبهة النصرة" بدعم هذا التنظيم الإرهابي في حرب الاستنزاف.
على أن الأكثر إثارة للسخرية هو أن يتذرع هؤلاء الملطخة أياديهم بدماء الشعب السوري بالجوانب الإنسانية والحرص على إيصال المساعدات الغذائية للمناطق السورية المحاصرة، في حين أنهم هم السبب الرئيسي والمباشر في هذه الأزمة الإنسانية، سواء باستهدافهم لقوافل المساعدات الإنسانية التي تسيرها الحكومة السورية والهلال الأحمر السوري أو الصليب الأحمر الدولي والسيطرة على محتوياتها وأخذ كفايتهم منها وما زاد يبيعونه للجوعى المدنيين بأسعار مضاعفة وخيالية، أو بفرضهم الحصار على المدنيين داخل المدن والقرى ومنع أي محاولة من الحكومة السورية لإيصال المساعدات الغذائية، أو بنهب ما تبقى داخل منازل المدنيين المحاصرين. ولعل قيام الطائرات الروسية بإلقاء المساعدات الإنسانية على المدنيين السوريين الذين تحاصرهم العصابات الإرهابية من على ارتفاع خمسة آلاف متر أكبر دليل ذلك.