[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/09/mmostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد مصطفي [/author]
” ليست هناك الآن صحيفة ليس لها موقع الكتروني، وكذلك الحال مع الاذاعات والتلفزيونات، وإن لم يلغ ذلك الطبعات الورقية والبث الاذاعي والتلفزيوني عبر الأثير والأقمار الصناعية. وهذا المقصود بأن التكنولوجيا إنما توفر "وسيلة توصيل" وليست بديلا للمنافذ الإعلامية بأشكالها المختلفة، ما يعني أنه سيظل هناك من يقرأ الصحيفة المطبوعة ومن يستمع للإذاعة على جهاز راديو ويشاهد التلفزيون على جهاز تلفزيون.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسط الميوعة التي يشهدها العالم في كل شيء، من السياسة إلى الاقتصاد والاجتماع، تلعب التكنولوجيا دورا حاسما في تشكيل تطور البشرية عموما ويعتقد البعض أن قطاع التكنولوجيا هو الوحيد الذي يمكنه المساعدة على تفادي العالم أزمة اقتصادية بالأساس ستكون تبعاتها السياسية والاقتصادية كارثية إن حدثت. يصاحب ذلك جدل يتعلق بمهنة الصحافة والإعلام يتجاوز ما تصدر العناوين مؤخرا عن "نهاية الصحافة الورقية" وموت الجرائد إلى مناقشة طغيان وسائل التواصل الاجتماعي واحتمالات "نهاية الصحافة" اما تحول الجمهور الى استقاء معلوماتهم من تويتر وفيسبوك وغيرهما. ويذكرنا ذلك بمقولة الباحث الأميركي فرانسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ" التي حولها بعد ذلك إلى كتاب وسط اهتمام غير مسبوق بها من خارج الوسط الأكاديمي طبعا لأنها عبارة مثيرة وتناسب إلى حد كبير "مقاطع الإثارة القصيرة على صفحات مثل تويتر". وبالطبع لا التاريخ انتهى، ولا حتى بريق مقولة فوكوياما صمد كثيرا رغم إثارته في البداية.
من السهل هنا تكرار حقيقة أن ما قيل عن اختفاء الصحف بعد اختراع الإذاعة لم يحدث، وبعد تطوير التلفزيون قيل إنه سيقضي على الصحف والإذاعة ولم يحدث. ما هو المختلف إذا مع الانترنت والحديث عن أن صحافة الأونلاين ستقضي على الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون؟ المختلف أن هذا "الوسيط" هو أداة وليس منصة إعلامية مثلما كان الراديو ثم التلفزيون. إنه أشبه بمواقع "تجميع" تضم كافة المنصات على وسيط مختلف. أي إلى جانب الورق وترددات المايكروويف وإشارات الساتلايت أصبح هناك "أونلاين"، حيث تقرأ النص كما في المطبوع وتسمع الصوت كما في الراديو وتشاهد الصورة المتحركة كما في التلفزيون. وهذا في الواقع اختلاف يعزز كافة منصات الإعلام والصحافة، في حال تطويرها لأسلوبها وتكيفها مع هذا "الوسط" الواسع الانتشار وسهل الاستخدام.
لذا، ليست هناك الآن صحيفة ليس لها موقع الكتروني، وكذلك الحال مع الاذاعات والتلفزيونات، وإن لم يلغ ذلك الطبعات الورقية والبث الاذاعي والتلفزيوني عبر الأثير والأقمار الصناعية. وهذا المقصود بأن التكنولوجيا إنما توفر "وسيلة توصيل" وليست بديلا للمنافذ الإعلامية بأشكالها المختلفة، ما يعني أنه سيظل هناك من يقرأ الصحيفة المطبوعة ومن يستمع للإذاعة على جهاز راديو ويشاهد التلفزيون على جهاز تلفزيون. صحيح أن الهواتف الذكية المرتبطة بالإنترنت تزداد انتشارا وتنقل للمستخدم كل ذلك على جهاز صغير في راحة اليد يتصفح عليه ويسمع ويشاهد، لكن ذلك الانتشار لم يبلغ بعد حد الكمال ليقضي على "وسائل التوصيل" الأخرى ـ ولا أظنه سيصل إلى هذا الحد، على الأقل في جيلي. هذا ما يتعلق بالتكنولوجيا كأداة تستخدمها الصحافة والإعلام.
أما الاستعاضة عن الصحافة والإعلام ببعض منافذ أخرى انتشرت وتتطور ويبتكر منها كل فترة الجديد فهذا هو ربما ما يقصده من يرددون مقولة "موت الصحافة". هذا مع أنهم حين يتحدثون عن البديل يقولون إنه "صحافة المواطن"، أي أنها ما زالت "صحافة" وكأنها لا تموت إذا!! هذه النقطة تستحق النقاش الموسع، ليس فقط من قبل من يعملون في الصحافة والإعلام بل من قبل قطاعات أخرى في المجتمعات المختلفة قبل أن يصل الجميع إلى خلاصة حاسمة. وأظن أنه يمكن القول بتجرد، رغم انحيازي لمهنتي، أن "الصحافة لا تموت" ومهما بلغ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات سيظل الناس في حاجة لتدقيق "الصحفي" الذي ينقل خبرا موثوقا ومعلومة مؤكدة وتحليلا يستند إلى مقدمات ومنطق واستنتاجات على أساس آراء مصادر خبيرة في مجالها. وسيظل المتلقي يتطلع إلى صحافة لا تخلط المعلومة برأي ولا "تفبرك" مادة إعلامية لأغراض سياسية أو إجرامية.
يوم الأحد الماضي كان العنوان الرئيسي على الصفحة الأولى لجريدة الراية القطرية اليومية "تويتر .. منصة للشائعات وتأجيج الرأي العام". وقبل ذلك بنحو أسبوع أطلقت سكاي نيوز عربية برنامجا جديدا بعنوان "نقاش تاغ" عبر تويتر كان موضوع حلقته الأولى هو "السوشيال ميديا والصحافة والإعلام". وخلص مديرو الندوة إلى أن الصحافة تظل مرجعا، مهما طغت السوشيال ميديا. وبالطبع يمكن لكل طرف اثبات وجهة نظره بالأمثلة العديدة والمتكررة. فمن يشكك في مصداقية مواقع التواصل الاجتماعي سيجد أطنانا من الفبركات والشائعات والادعاءات في صيغة أخبار. ومن يقول بأن تويتر وفيسبوك تسبق وسائل الإعلام التقليدية في الأخبار العاجلة سيجد الكثير من الأمثلة عن معلومات من شهود عيان، وأحيانا صورا حية من مواقع الأحداث تسبق أي وسيلة إعلام رئيسية.
لكن يظل هناك قدر هائل من الشك في كل ما يبث على السوشيال ميديا، وفي صحافة المواطن كما يسمونها، يجعل الناس تحتاج إلى من يدقق ويبحث ويأتي بالصيغة النهائية لخبر ومعلومة. مثال جيد على ذلك، الفيديو الذي انتشر على الانترنت مؤخرا وأثار المصريين وغيرهم لمواطن كويتي يعذب مصريا يعمل في محله بعد أن جرده من ملابسه تماما منتهكا انسانيته. والتقطت وسائل الإعلام المصرية القصة، حتى أن الخارجية المصرية اصدرت بيانا حول الموضوع. ثم اتضح أن الواقعة تعود إلى أكثر من عام ونصف وأن الشرطة الكويتية ألقت القبض على المتهم وأحالته للنيابة. طبعا هذا مجرد مثال، ولا توجد وسيلة يمكن بها التدقيق من كل ما يبث على الانترنت. حتى منافذ الإعلام الكبرى مثل بي بي سي وأمثالها تقع أحيانا في تلك المطبات.
لن ينتهي النقاش والجدل، لكن المؤكد أن الصحافة لا تموت.