[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]

” رفض الغنوشي رفضا مطلقا إجراء أية تعديلات على اقتراحه: بأن يكون لرئيس الحركة (يعني الغنوشي نفسه) حق تعيين أعضاء المكتب التنفيذي(الهيئة القيادية الأولى) وعرضهم لاستشارة مجلس شورى الحركة/الحزب كي يقوم بتزكيتهم فقط!. كما ثبّت المؤتمر تعديلا مقصودا ينص: على أن من حق الرئيس الترشح لكافة المناصب السياسية التونسية, بما في ذلك رئاسة الجمهورية: أأدركتم أية ديموقراطية حزبية, وأي حزب مدني وأي تحول في حركة النهضة؟”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعلنت "حركة النهضة الاسلامية" رسميا خلال مؤتمرها العاشر (الشهر الماضي), "الفصل بين الديني والسياسي" والتحول الى "حزب مدني". كانت النهضة برئاسة راشد الغنوشي فازت بأول انتخابات في تونس بعد الإطاحة عام 2011 بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي ,الذي حكم تونس 23 عاما قمع خلالها الاسلاميين.وقادت الحركة من نهاية 2011 حتى مطلع 2014 حكومة "الترويكا", وهي التحالف الثلاثي الذي ضم معها حزبين علمانيين هما "التكتل" و"المؤتمر من اجل الجمهورية", واضطرت "الترويكا" بعد ذلك الى ترك السلطة لحكومة غير حزبية, بهدف إخراج البلاد من ازمة سياسية حادة اندلعت اثر اغتيال اثنين من أبرز معارضي الاسلاميين، ومقتل عناصر من قوات الأمن والجيش في هجمات جماعات إرهابية. في عام 2014 خسرت النهضة في الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب "نداء تونس" الذي اسسه الرئيس الباجي قائد السبسي في عام 2012 , بهدف الوقوف بوجه الإسلاميين وخلق توازن سياسي مع حركة النهضة. وبعد الانتخابات، شكل "نداء تونس" و"النهضة" وحزبان آخران ائتلافا حكوميا رباعيا، ما أثار قواعد "النهضة" من المعارضين للعمل مع حزب "نداء تونس".
بالطبع تتوالى النقاشات والتحليلات بشأن حقيقة هذا التحوّل, وبخاصة لدى حركات الإسلام السياسي ,وبشكل خاص الإخوان المسلمين في كافة أنحاء الوطن العربي, وكافة القوى والأحزاب السياسية في تونس والعالم العربي. هل يمكن فعليا حدوث الطلاق بين النهضة والحزب العالمي للإخوان؟, الذي حضرت الحركة كل مؤتمراته علنا منذ الأحداث التونسية!. بداية ,فإن التحول يعني: تخلي النهضة عن فكرة تغيير المجتمع بالقوة والعنف, والأسلمة القسرية للشعب وفق رؤية عامة وقواعد تطبيق يحددها الحزب العالمي للإخوان, وما على الفروع سوى تنفيذ هذه الأوامر(القرارات) على مجتمعاتها العربية, بالرغم أن الغالبية العظمى من العرب هم مسلمون, ولكن ليس إسلاما بالمفهوم الإخواني له, وفقا لما نظّر إليه, وكتب عنه, حسن البنا ,سيد قطب ,محمد بديع وخيرت الشاطر وغيرهم. حقيقة الامر, أن المسلك السياسي للحركة أثناء توليها للسلطة تميز بتفرد مارسته على كافة القوى الحزبية التونسية, رغم حرصها على ان تبدو ديموقراطية, من خلالها بحزبين صغيرين ليس لهما من تأثير فعلي في الحركة السياسية التونسية, أتت بهما كواجهة للادعاء"بأنها شاركت قوى اخرى في السلطة", في مسرحية مكشوفة لكل من يعرف حقيقة الأوضاع في تونس. امعانا في الاستهزاء والتضيل, أتت الحركة بالرئيس المنصف المرزوقي, الذي يأتمر بأمورها, وليس لحزبه من وجود حقيقي على الساحة التونسية.
ما حدث في مؤتمر النهضة يؤشر بلا أدنى شك على النفوذ الهائل لزعيم الحركة راشد الغنوشي، وكيف قاد النقاشات المؤتمر واتجاهاته واعماله لتكريس زعامته, التي يعتبرها تاريخية, باعتباره القائد المؤسس للحركة! فقد بقي على رأسها ما يقارب الأربعة عقود ونصف(منذ عام 1972). كما رفض الغنوشي رفضا مطلقا إجراء أية تعديلات على اقتراحه: بأن يكون لرئيس الحركة (يعني الغنوشي نفسه) حق تعيين أعضاء المكتب التنفيذي(الهيئة القيادية الأولى) وعرضهم لاستشارة مجلس شورى الحركة/الحزب كي يقوم بتزكيتهم فقط!. كما ثبّت المؤتمر تعديلا مقصودا ينص: على أن من حق الرئيس الترشح لكافة المناصب السياسية التونسية, بما في ذلك رئاسة الجمهورية: أأدركتم أية ديموقراطية حزبية, وأي حزب مدني وأي تحول في حركة النهضة؟ إنها مذبحة مفهوم الديموقراطية الحزبية. إن من الواضح كم هو الشيخ الغنوشي تواق لتسلم المنصب السياسي التونسي الأول. نحن إذاً أمام تكتيك سياسي جديد، وليس تحولاً حقيقياً في خطوة تاريخية لحركة النهضة، وإن التحول لايعدو كونه توزيع أدوار، حيث يكون للحركة جناحان، واحد يتقمص دور السياسي، فيما الجناح الآخر سيواصل العمل وفق النهج الدعوي الإخواني، في خضوع تام للحزب العالمي للإخوان.
لكل ذلك، حذرت قوى سياسية وحزبية تونسية فاعلة وذات تأثير، من الوقوع في وهم تحول النهضة، أو أن الحركة جادة وصادقة في ما أعلنته. وقد وصف البعض هذه الخطوة بأنها "خطة ذكية لاتخلو من الدهاء السياسي"، إذ ستمكّن النهضة عن عدم التخلي عن مرجعيتها من جهة، وتعزز موقعها من جهة أخرى، عبر تركيز واجهة سياسية بواجهة "الخلفية العقائدية" التي تبنتها منذ عام 1991. فيما قال آخرون: إن هوية النهضة "ستظل هوية دينية ولن تكون مطلقا هوية مدنية". لا يمكن للحركة التجرد من ذاتها وايديولوجيتها ونهجها السياسي وآليات عملها, بقرار يتخذه المؤتمر لتتحول إلى هوية سياسية مدنية. لكل ذلك، لا تثق معظم الأوساط السياسية والإعلامية التونسية بتحول "النهضة" إلى حزب مدني. فقد علّق موقع "حقائق أونلاين" التونسي قائلاً: "ينظر المتابعون للشأن السياسي إلى قرارات هذا المؤتمر بنوع من الشّغف والرّيبة في آن واحد. الشّغف بسبب معسول الكلام الذي روِّجه قادتها في الصحف وفي كل البرامج التلفزيونية والإذاعيّة، والرّيبة بالنظر إلى تاريخ الحركة المتلوّن بتلوّن الظروف السياسيّة والأوضاع الإقليميّة" والمواقف المزدوجة للحركة من ذات القضية وفقا للجغرافيا.
تبقى الحقيقة الأهم، هي أن تحول حزب من نمط إلى آخر يحتاج عشرات السنين، ولن يتم بكبسة زر، مثلما يدّعي راشد الغنوشي.