[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ما يحصل في العراق يخالف كل ما هو سائد ومتعارف عليه في دول العالم، ومن المعروف في فقه السياسة وعند القوى المعارضة أو الرافضة لممارسات الحكومات، أن الممارسات السيئة والسلبية ينتج عنها حركة احتجاجية قد تكون واسعة أو أقل من ذلك، وحسب ما ارتكبته الحكومات من أخطاء، لكن عندما تسيل دماء المحتجين ويسقط قتلى ويتم اعتقال الناشطين وتعذيبهم وتغييب البعض منهم، فأن ذلك يعني أن ممارسات الحكومة وأجهزتها الأمنية قد تجاوزت الاخطاء، أي دخلت في حيز خطير هو بركة "الخطايا" ، وإذا وضعنا هذا القياس على اوضاع العراق ، سنجد أن جميع المواصفات تنطبق على حكومات العراق المتعاقبة منذ العام 2003 حتى هذه اللحظة ، لكن الصورة التي ظهر فيها المحتجون والمعتصمون سرعان ما انقلبت واختلفت، الأمر الذي يضع علامات استفهام.
المثير للتساؤل أن الشعوب غالبا ما تقف ضد الحكومات في حال انتهكت حرمة بيت واحد أو تعرض أحد المواطنين للتعذيب أو القتل على أيدي الأجهزة الأمنية، عند ذاك ثتور الناس وتخرج في مظاهرات واحتجاجات وتحصل اعتصامات في قطاعات واسعة في البلاد ، إلا أن ما يحصل في العراق – للأسف الشديد- يختلف تماما ، ما يعطي مؤشرا خطيرا وسلبيا على المتظاهرين والقائمين على الاعتصامات والاحتجاجات، ففي ليلة وضحاها وضع المتظاهرون دماء اخوتهم الذين قتلتهم الحكومة بالأمس خلف ظهورهم وصمتوا أو تضامنوا مع الحكومة ، ولا يوجد أي تفسير معلن عند المتظاهرين لظاهرة الصمت المطبق الذي شهدته الأيام الماضية، فقد توقفت الحركة الاحتجاجية التي اتسعت ضد السراق واللصوص والمجرمين الذين نهبوا ثروات الشعب وخربوا كل شيء في هذا البلد، ولم يعد احد يسمع شيئا عن المتظاهرين والمعتصمين الذين اثاروا زوابع قوية في الأشهر الماضية، وصدحت حناجرهم بالشعارات والهتافات التي تقول أن هذه الحكومة فاسدة وسارقة وارتكبت مختلف انواع الجرائم والانتهاكات بحق العراقيين.
لقد امتلأت ساحة التحرير بآلاف المتظاهرين ونصب الاف المعتصمين الخيم وأعلنوا أنهم لن يغادروا أماكنهم قبل اجراء التغيير الشامل والجذري في بنية وهيكل وجوهر الحكومة والعملية السياسية، ودخل اخرون مقر البرلمان وعبثوا به في رسالة – يفترض- أنها تحمل بين طياتها تفاصيل وحجم الرفض للحكومة وأدواتها وسياساتها وممارساتها العبثية والفاشلة والسيئة، ثم هاجم آخرون مقر رئيس الحكومة ودخلوه عنوة وعبثوا به ايضا، لتكتمل الرسالة وتكون اكثر وضوحا وصراحة، واعتقد الكثيرون أن ايام الحكومة العراقية والعملية السياسية اصبحت معدودة، وأن هذه الأصوات التي تابعتها الفضائيات ووسائل الإعلام لن تهدأ إلا بعد أن تحقق اهدافها الكاملة والمتمثلة بالتخلص من الحكومة بصورة كاملة وجذرية، ووصل الحال أن الكثيرين كانوا يترقبون العواجل بين ساعة واخرى، عسى أن يزيح المحتجون والمعتصمون هذا الغبار الأسود الذي عبث بجميع العراقيين وبدون استثناء.
لكن المفاجأة المثيرة للتساؤلات الكثيرة، أن هذه الحركة الاحتجاجية سرعان ما صمتت في دلالة واضحة على تضامنها الكامل مع الحكومة.