لعله قد اتضح الآن أكثر من أي وقت مضى أن مجموعة التحركات التي اتخذها المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ مجيئه إلى السلطة قد أضرت بعملية السلام ضررًا بليغًا، وذلك لأن تراجع الدور العربي الساند والداعم والرافع لشعار "القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية" جنبًا إلى جنب مع تراجع الدول الراعية لعملية السلام وبخاصة في اللجنة الرباعية وتقاعسها عن أداء واجبها كوسيط نزيه وعادل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، قد وفر المساحات الرحبة للحركة التي حصل عليها نتنياهو ليفسد المسيرة السلمية أمام الجميع، أطرافًا كانوا أو وسطاء، بمن في ذلك التيارات (المعتدلة) الساعية إلى السلام وحقن دماء الإسرائيليين داخل الدولة المحتلة قبل دماء الفلسطينيين في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال.
ومنذ وضعت الولايات المتحدة خطة خارطة الطريق وما تبعها من مؤتمرات تحت لافتة "التفاوض من أجل السلام" كمؤتمر أنابوليس وغيره، لم تكن حكومات كيان الاحتلال الإسرائيلي تقدم سوى خطط بديلة منفردة لتدمير خارطة الطريق والجهود الموازية كحل الدولتين وتجميد الاستيطان واستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة.
اليوم يتقدم كيان الاحتلال الإسرائيلي خطوة جديدة نحو تأكيد عدم إرادته في السلام وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحل القضية الفلسطينية، عبر تحويل حكومته بقيادة نتنياهو إلى أكثر شراسة في رفض مبادرات السلام السابقة كمبادرة السلام العربية أو اللاحقة كالمبادرة الفرنسية والمبادرة المصرية، وذلك ليس فقط بالمجاهرة صراحة بعدم القبول بها أو محاولة تمييعها وتفريغها، وإنما بضم المتطرف أفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف ليلعب دورًا مساندًا في عملية الرفض.
وعلى الرغم من الشواهد المتوالية على عدم الاستعداد لتنفيذ استحقاقات السلام التي يواصل الاحتلال الإسرائيلي إرسالها إلى من يهمه الأمر، فإن الطرف المقابل وهو السلطة الفلسطينية لا تزال تمد يدها بغصن الزيتون، وإبداء استعدادها لفتح حوار مع وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان في حال أبدى استعدادًا وموافقة على "حل الدولتين" دون الأخذ في الاعتبار انتماءاته الحزبية أو العرقية، وإنما الحكم عليه هنا من خلال موقفه من عملية السلام، حسب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
إن نهج الحوار والتفاوض هو الوسيلة المتحضرة وبدون كلفة، والأعلى شأنًا لمن يقدره ويعظم دوره، لكن إذا كان التفاوض ـ كما هو الحال القائم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ـ إذا لم يكن قائمًا على جدول زمني ومنتِجًا للحل المراد، فإنه يصبح من العبث بمكان، حيث لا تزال النظرة الإسرائيلية إلى المفاوضات على أنها مخرج للطوارئ حين يرى المحتلون الإسرائيليون أنهم قد حشروا في زاوية الوفاء باستحقاقات عملية السلام، أو وجدوا أنفسهم فجأة أمام مبادرة عربية أو غير عربية، لجأوا إلى مخرج المفاوضات للتملص منها والتنصل من الاستحقاقات، وهو ما جعل هذه المفاوضات عبثية وعقيمة، بل إنها جلبت ويلات وكوارث على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني.
ولذلك من حيث المبدأ لا أحد يعترض على المساعي الفلسطينية نحو تحريك ملف عملية السلام، سواء بالتفاوض والجلوس مع أعتى المتطرفين الإسرائيليين أو بأي وسيلة كانت، إلا أنه يجب أن لا يكون على حساب الثوابت الوطنية والتفريط في المزيد من الحقوق الوطنية، وإعطاء المحتل الإسرائيلي المزيد من كسب الوقت والذرائع التي يوظفها بصورة دائمة على أرض الواقع في سلب الحقوق وتغيير الجغرافيا والهوية، وتهويد ما احتله من أراضٍ فلسطينية.