اعداد ـ ناصر عبد الفتاح:
استقرت سفينة نوح فوق الأرض وهبط نوح والمؤمنون من السفينة وشكروا الله على نجاتهم ثم أمر نبي الله قومه أن يتفرقوا في أرجاء الأرض الخالية كي يعمرونها.. انطلق الناس يسعون في الأرض فاستقر قوم في العراق ورحل قوم عاد إلى اليمن وأقاموا في وادي مغيث بصحراء الأحقاف.
عانى قوم عاد من قسوة الحياة في ذلك الوادي الجاف الواقع في قلب الصحراء الشاسعة وقاسوا من جو النهار الملتهب وبرودة الليل القارصة.
دعا أهل الوادي ربهم فاستجاب لهم فأمر الأرض فتفجرت فيها العيون الواسعة وانهمرت الأمطار فروت ظمأ أرض مغيث العطشى وأسرع القوم يحرثون الأرض ويبذرون الحب ويحصدون الثمر وأنبتت الأرض مختلف الزروع والثمار.. امتلأ وادي مغيث بالحدائق الغنَّاء فصار الوادي المقفر واحة خضراء مزينة بأشجار الفاكهة.
أقام قوم عاد الخيام الضخمة وبنوا القصور الفخمة ذات الحدائق الرائعة وصار الوادي مدينة عظيمة أطلق عليها (إرم ذات العماد) وهذه المدينة لم يخلق مثلها في البلاد لروعتها ولعظمة أبنيتها.
رزق الله تعالى القوم بالبنين والبنات فازداد عددهم وعاشوا في رخاء.. مرت مئات السنين ورحلت أجيال من قوم عاد وجاء جيل جديد وسوس إليه الشيطان فانشغل بالأموال والأولاد وعبد الأصنام.
وساءت أخلاق القوم فاعتدى القوي على الضعيف، ونهب الغني حق الفقير وانتشر الظلم والفساد في أرجاء مدينة (إرم ذات العماد).
وكان يعيش في وادي مغيث رجل صالح اسمه (هود) .. تألم الرجل من أفعال قومه وأصابه غم شديد لأنهم تركوا دين ربهم وعبدوا الأصنام العاجزة.
أوحى الله إلى هود وكلفه بدعوة قومه إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام والتمسك بالأخلاق الفاضلة.
اقترب هود ـ عليه السلام ـ من قومه وذكرهم بأن الله اختارهم بعد قوم نوح كي يعمروا الأرض ويعبدوا ربهم فيها، وأخبرهم أن الله هو الذي خلق السماوات الشامخة وزينها بالكواكب والنجوم اللامعة وخلق القمر لينير عتمة الليل فيهدي المسافرين في الدروب المظلمة.
والله هو الذي خلق الأرض وأرسى فوقها الجبال والهضاب وأجرى فيها البحار والأنهار، والله الذي خلق الأنعام وسخرها لكم وأحل لكم أكل لحومها الطيبة.
وذكرهم هود ـ عليه السلام ـ بنعمة الله عليهم حين حول واديهم المقفر إلى واحة خضراء محاطة بالحدائق وحين أنعم عليهم فبنوا القصور الفخمة وعاشوا في نعيم ورخاء.
صاح بعض القوم: لن نترك آلهتنا يا هود ولن نسمع كلامك، واتهمه آخرون بالسفاهة فقال لهم:(يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين).
لم يصدق القوم هود ـ عليه السلام ـ لأنهم اعتقدوا أن رسول الله ملك من الملائكة وليس بشرا مثلهم وتحدوا نبيهم وطلبوا منه معجزة تثبت صدق دعوته وعظمة ربه الذي يدعو إليه.
وازداد القوم عنادا وكفرا فادعوا أن أصنامهم غضبت على هود وآذته فعاتبهم النبي وحذرهم من عصيان الله وظلم الناس وأخبرهم أن لكل إنسان كتابا تسجل فيه حسناته وسيئاته وعندما ينتهي أجله يبعثه الله يوم القيامة فيوضع كتابه في ميزان الحساب فإن رجحت كفة حسناته أدخل الجنة وإن رجحت سيئاته ألقى في النار، وبين لهم أن الله أعد للمؤمنين جنات عدن تجري من تحتها الأنهار وفيها ما تشتهيه الأعين وأعد للكافرين نيران جهنم.
ادعى القوم أنهم لن يبعثوا مرة أخرى وأنهم سيحيون حياة ثانية بعد الموت ولن يحاسبهم أو يعذبهم أحد.
ثم قالوا: خذ من المال ما تريد يا هود ودعنا وشأننا.
تألم هود ـ عليه السلام ـ لأن قومه اعتقدوا أنه يدعوهم طمعا في المال فقال لهم:(يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون).
اشتد غضب القوم وتحدوا هود عليه السلام قائلين:(من أشد منا قوة).
أدرك هود ـ عليه السلام ـ أن قومه بلغوا أقصى درجات العناد فآثر أن يستعمل معهم أسلوبا آخر ليبين لهم عاقبة عنادهم وتكبرهم فقال لهم: لقد غضب الله عليكم لأنكم كفرتم به وعبدتم أصناما عاجزة وادعيتم أنها آلهة وأطلقتم عليها أسماء من عندكم فانتظروا عاقبة أفعالكم وإني منتظر معكم لأرى نهاية عنادكم.
صاح القوم:(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)..هيا يا هود.. أنزل علينا عذاب ربك.
وفي الحال لجأ النبي إلى ربه ودعاه قائلاً:(.. قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ). (المؤمنون ـ 39).
واستجاب الله تعالى دعاء نبيه هود ـ عليه السلام ـ وأمر السماء فامتنعت عن إرسال المطر وجفت الآبار والينابيع .. اشتد الظمأ بالناس وجفت الزروع .. خرج القوم من بيوتهم وقدموا ما يحملونه من أطعمة قرابين للأصنام وأخذوا يدعونها.
أقبل هود ـ عليه السلام ـ ونهى قومه عن أفعالهم السيئة ونصحهم أن يؤمنوا بالله ويتوجهوا إليه ويدعونه كي ينزل المطر.
هجم القوم على هود ـ عليه السلام ـ وصرخوا في وجهه وطردوه حتى لا تغضب الأصنام عليهم.
لجأ هود ـ عليه السلام ـ إلى ربه فأمره بأن يصطحب المؤمنين إلى مكان بعيد عن أرض الكافرين.
خرج هود ـ عليه السلام ـ وأتباعه من الوادي وأقبلت سحابة سوداء فغطت السماء وعم الظلام أرجاء الوادي.
وقف القوم تحت السحابة وأخذوا يصفقون ويغنون ابتهاجا بها وانتظروا سقوط الأمطار فخرجت من السحابة ريح صرصر عاتية أي باردة وعنيفة فهبت بشدة وأخذت تزمجر وتصفر صفيرا مرعبا واندفعت نحو الكفار.
أسرع القوم يحتمون بالأصنام فسبقتهم الريح والتفت حول الأوثان ورفعتها عاليا ثم دكتها في الأرض فتحطمت وتناثرت قطعا صغيرة.
وانقضت الريح على الكفار في سرعة خاطفة ورفعتهم في الهواء ثم دكت رءوسهم بالأرض فصاروا كجذوع النخل الخاوية.
مكثت الريح في أرض عاد ثمانية أيام متتالية حتى قضت على جميع الكافرين من قوم عاد وتطهرت الأرض منهم ولم يبق من ذكراهم سوى بيوتهم الخاوية.
ونجى الله نبيه هود ـ عليه السلام ـ والمؤمنون فخروا لربهم ساجدين.