[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
” .. حسب معرفتي المتواضعة في الشأن الوظيفي ان واحدة من مصائبنا الإدارية في العالم الثالث هي هذه العروض اليومية لموظفين يدعون المسؤولية والفهم، ويمسكون بكل الخيوط ليمرروا ما يؤمنون به من اجتهادات إلى الآخرين الذين ينبغي عليهم التنفيذ ليس إلا بغض النظر عن إمكانية النجاح أو خلافه.”

لم أجد ما أصف به المنهج الإداري الحالي في الدولة العراقية إلا أن أقول إنه أشبه بحيثيات مجلس عزاء، جاء ذلك خلال مداخلة لي مع الدكتور محمد العقابي مدير عام المركز الوطني للتطوير الإداري وتقنيات المعلومات التابع لوزارة التخطيط على هامش محاضرة له وكنت أحد الحاضرين لمتابعتها.
ولعل من الأهم، بل والمفيد هنا أن أتوقف عند مبدأ إصلاح إداري يتعرض للكثير من الإهمال والعزل في بعض الأحيان، أعني مبدأ توسيع التفويض بوصفه الخطوة الأساسية لتبسيط الإجراءات وتطويرها التي هي بدورها مدخل لا بديل عنه في تحقيق الإصلاحات الإدارية الشاملة، أما لماذا ذلك؟ فلأن تركيز الصلاحيات حسب معظم الدراسات التحليلية يمثل معوقا مركزيا يحول دون التطوير، ولنا هنا أن نأخذ الأمر من الزاوية الحسابية.
إن تعدد المحطات التي يمكن أن يمر بها قرار إداري غاية في الضرورة يحتاج إلى توقيتات ومراحل إذا افترضنا أن الأمر الإداري صدر من ديوان الوزارة المعنية إلى القسم المعني، ومن القسم المعني إلى الجهة الإدارية في المحافظة، ومن الجهة الإدارية إلى القسم المعني بالإجراء ثم إلى الموظفين التنفيذيين، وحسب تشخيصات تناولت مسيرة القرار الإداري في العراق وبلدان أخرى من الجهة التشريعية إلى الجهة التنفيذية إلى أصغر وحدة وظيفية يحتاج بين أربع إلى خمس محطات هذا إذا كانت السياقات الإدارية السائدة طبيعية، ولكن إذا كانت السياقات مزاجية مبنية على أهداف شخصية وليس في إطار السياقات الوظيفية الاعتيادية، فللحالة الكثير من المطبات، وحسب معرفتي المتواضعة في الشأن الوظيفي أن واحدة من مصائبنا الإدارية في العالم الثالث هي هذه العروض اليومية لموظفين يدعون المسؤولية والفهم ويمسكون بكل الخيوط ليمرروا ما يؤمنون به من اجتهادات إلى الآخرين الذين ينبغي عليهم التنفيذ ليس إلا بغض النظر عن إمكانية النجاح أو خلافه، ثم كم هو نقص اليقظة والشعور بالمسؤولية التنفيذية إزاء عدم التفاهم هذا؟
أذكر أنني في التسعينيات من القرن الماضي رشحت إلى ندوة خارج العراق وكلفت بإعداد دراسة عن دور الشباب في التنمية، وقد صدر أمر لي بذلك لكنه كان يحتاج إلى موافقات أمنية معينة، والذي حصل أن الموظف الذي كان عليه أن يبت بأمر إيفادي أمنيًّا أخذ إجازة وترك بريده على المكتب، وامتدت إجازته أكثر من أسبوع، وعندما عاد ليبت بالأمر لم يبقَ على انعقاد تلك الندوة سوى أربعة أيام وكانت غير كافية قطعًا لإتمام الإجراءات.
إن تمركز الصلاحيات هو في أغلب الأحوال مجال للتأخير تأسيسا على تشخيص يقول (كلما تركزت الصلاحيات طالت الذراع الإدارية وبالتالي ضاقت فرص النجاح) خاصة إذا كان صاحب القرار في البت بالمواضيع مثقلًا بالعمل ولديه أكثر من موقع.
لقد روي لي عن وزير زراعة كانت لديه ثلاثة مواقع يلتقي فيها يوميًّا، وكان مدير مكتبه يوزع البريد له في ديوان الوزارة والموقعين الآخرين وبسبب ذلك تتأخر الكثير من القرارات التي كان ينبغي أن يبت بها ومنها إجراءات وقتية محددة باستخدام مياه الري من خلال التنقيط والرش لترشيد المياه وقد تبين أن أحد الأوامر الوزارية بهذا الشأن وصل إلى الجهة المعنية بتنفيذه بعد ثلاثة أشهر وفي فصل كانت الأمطار تغطي المنطقة الزراعية التي أريد لها أن تستخدم الرش والتنقيط كوسيلة للري في الموسم المذكور. ومن الطرائف المرة في سوء استخدام الصلاحيات ما يتداوله العراقيون الآن أن أحد السياسيين العراقيين تم استيزاره إلى حقيبة التجارة، وكان لزوجته شقيق عاطل عن العمل على الرغم من أنه حاصل على شهادة جامعية في الإخراج المسرحي، فما كان من الوزير إلا وأصدر أمرًا بتعيينه موظفا مسؤولا عن الإخراج الجمركي على أساس اختصاصه بالإخراج.
وبخلاصة مضافة أن التفويض وعدم تركز الصلاحيات يدفع حتمًا إلى ما يمكن أن أصطلح عليه المبادرة الإدارية وعدم انتظار التعليمات من الجهات العليا فحسب، كما أن أهمية التفويض هي أنه وسيلة مهمة في ترشيد النفقات المالية إذا أخذنا بنظر التوصيف كم نحتاج من جهود في إصدار أوامر وتحرير كتب وتبليغات لإتمام إجراء إداري معين في الوقت المناسب، لكن باشتراط المراقبة على الأداء.