[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
إن أنصار الدولة المدنية ونهجها التصالحي التي لا تستثني أحدا يواجهون تركة الاحتلال وقوانينه التي أسست لنظام المحاصصة الطائفية، مدعومة من قوى وتيارات رأت في هذه القوانين مناسبة لتكريس دورها في الحياة السياسية، والاستحواذ على القرار السياسي، وإنكار حق الآخرين في المشاركة في مسيرة الوطن..

لم يكن العراق يوما مرتعا للطائفية والتطرف الديني على مر العصور، وهذه الظاهرة تكرست في المجتمع العراقي بعد غزو العراق واحتلاله.
وما أسس لهذه الظاهرة نظام المحاصصة الطائفية التي قسمت العراقيين إلى مكونات وطوائف، ما فتح الأبواب إلى صراع طائفي مغلف سياسيا وضع العراق في الخانق الذي يتخبط به.
وما صاحب معركة استعادة الفلوجة من تنظيم "داعش" تشير إلى المنحى الخطير لاتجاهاتها التي باتت تقلق الأغلبية الصامتة وتعرقل مساعي الحريصين على إخراج العراق من محنه وتداعياته.
وأدى تغول العنف الطائفي في المجتمع العراقي ومخاطره على النسيج الاجتماعي إلى تصاعد الدعوات لإخراج العراق من خندق الطائفية إلى فضاء دولة المواطنة، وسيادة القانون والرأي والرأي الآخر، كحل جذري لمحنة العراق المتفاقمة.
وعبرت هذه الدعوات عن موقف الغالبية الصامتة من العراقيين ونزوعهم إلى فضاء خالٍ من الانتقام والاصطفاف الطائفي والتمسك بالثوابت الوطنية التي كانت على الدوام حامية لوحدة العراق ومكوناته المتآخية والمصير المشترك الذي كان هو الآخر صمام الأمان للحمة الوطنية.
إن أنصار الدولة المدنية ونهجها التصالحي التي لا تستثني أحدا يواجهون تركة الاحتلال وقوانينه التي أسست لنظام المحاصصة الطائفية، مدعومة من قوى وتيارات رأت في هذه القوانين مناسبة لتكريس دورها في الحياة السياسية، والاستحواذ على القرار السياسي، وإنكار حق الآخرين في المشاركة في مسيرة الوطن لسد الطريق أمام القوى المدنية، ومنعها من الاضطلاع بدورها الوطني.
والسنوات الماضية وموقف القوى والأحزاب والتيارات المتمترسة خلف نظام المحاصصة أكدت الحاجة إلى بلورة رؤية واقعية وخريطة طريق لإنقاذ العراق من أزماته السياسية، تستند إلى تكريس مبدأ المواطنة في المجتمع، يكون الولاء فيه للوطن وليس للطائفة أو العرق.
وبتقديرنا إن إجراء مصالحة وطنية حقيقية وتعديل الدستور ليكون معبرا ومجسدا لآمال وتطلعات ومشاغل جميع العراقيين بوطن موحد وخالٍ من الخوف، سيكون عاملا مساعدا للساعين إلى الدولة المدنية.
كما أن إخفاق الطبقة السياسية في تلبية متطلبات الأمن والبناء وخدمة المواطن ومشاغله الحياتية، وتكريس ثروة العراق لسعادته، يعطي هو الآخر الأمل لفرصة تاريخية وزخما وفاعلية للساعين إلى إقامة دولة المواطنة كبديل ديمقراطي واقعي لمحنة العراق الحالية.
وعلى الرغم من مقاومة الرافضين لإقامة دولة المواطنة الحامية والضامنة لحقوق جميع مكونات المجتمع، فإن الشلل الذي أصاب الحياة السياسية وغياب الأمن وهدر ثروات البلاد وتغول الفاسدين ومخاطر دخول العراق في أتون الحرب الطائفية، كل هذه التحديات الخطيرة التي تواجه العراق هي من تبرز الحاجة إلى اصطفاف وطني جديد عابر للطائفة والعرق، يجسد آمال وتطلعات الأغلبية الصامتة التي أصيبت بخيبة أمل وعانت من إخفاقات تجربة السنوات الماضية، وغياب المشروع الوطني العابر لتركة الاحتلال وقوانينه التقسيمية.
إن تداعيات بقاء العراق في خندق الطائفية ومخاطر نيرانه على الجميع يتطلب من الداعين إلى دولة المواطنة كبديل لدولة الطوائف بلورة برنامج وطني يستند إلى الهوية الوطنية، ويفتح الطريق للمشاركة الجماعية لإنتاج بديل ونموذج وطني يعبر عن إرادة الأغلبية الصامتة.
وما يجري في الفلوجة ومحيطها يعكس الحاجة الحقيقية لما ذهبنا إليه، لا سيما وأن القلق من تحويل معركة استعادة الفلوجة إلى معركة طائفية أثار مخاوف الأغلبية الصامتة من مخاطر شرورها التي ستحرق الأخضر واليابس، وتغلق الأبواب أمام أي تغيير حقيقي لمعالجة أزمات العراق.