الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد: اليوم أيها القراء الكرام نكمل ما بدأناه مع سورة الإنسان نحيا بها مع كتاب الله تعالى نسأل الله سبحانه أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وجلاء حزننا .
قال تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ).
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) ما افتريته ولا جئت به من عندك ، ولا من تلقاء نفسك ، كما يدعيه المشركون. ووجه اتصال هذه الآية بنا قيل أنه سبحانه لما ذكر أصناف الوعد والوعيد ، بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه ، فليس بسحر ولا كهانة ، ولا شعر ، وأنه حق. وقال ابن عباس : أنزل القرآن متفرقا : آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة ؛ فلذلك قال "نزلنا" .
قوله تعالى:(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي لقضاء ربك. وقيل : أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات،أو انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم ، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة. (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)أي ذا إثم (أَوْ كَفُوراً) أي لا تطع الكفار. فروى معمر عن قتادة قال : قال أبو جهل : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه. فأنزل الله عز وجل : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْكَفُوراً).ويقال : نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج ، على أن يترك ذكر النبوة ، ففيهما نزلت : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) قال مقاتل : الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة ؛ قال : إن بناتي من أجمل نساء قريش ، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر وارجع عن هذا الأمر. وقال الوليد : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال ، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر ؛ فنزلت. ثم قيل : "أو" في قوله تعالى :(آثِماً أَوْ كَفُوراً) أوكد من الواو ؛ لأن الواو إذا قلت : لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص ؛ لأنه أمره ألا يطيع الاثنين ، فإذا قال :(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) "فأو" قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصي ؛ وقال الفراء : "أو" هنا بمنزلة "لا" كأنه قال : ولا كفورا ؛وقيل : الآثم المنافق ، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر ؛ أي لا تطع منهم آثما ولا كفورا. قوله تعالى :(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)أي صل لربك أول النهار وآخره ، ففي أوله صلاة الصبح وفي آخره صلاة الظهر والعصر. (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة. (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) يعني التطوع في الليل ؛ وقيل: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. وقيل : هو الذكر المطلق سواء كان في الصلاة أو في غيرها .
والله أعلم ،،
.. يتبع بمشيئة الله.
* (المصدر: القرطبي)

إعداد ـ أم يوسف: