كلما حان موعد انطلاق الجولة الجديدة من محادثات جنيف حول الأزمة السورية كثرت الانعطافات من قبل معسكر التآمر والإرهاب بقيادة الولايات المتحدة بهدف تدوير الزوايا وربما قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع، ذلك أن الإرادة الصهيو ـ أميركية من التدخل في الأزمة السورية وإدارة حركة مفاصل الإرهاب فيها، وإنتاج المزيد من تنظيماته وتذخيرها بما تحتاجه من سلاح ومال، لا تزال أهدافها بعيدة التحقق لقوة الصمود الأسطوري للشعب السوري وجيشه الباسل وحلفائهما في مواجهة أضخم مؤامرة كونية إرهابية تحاك ضدهما وضد حلفائهما.
فالتفاصيل الصغيرة والكبيرة تشي بأن الولايات المتحدة لا تزال غير قادرة بعد على صياغة المشهد بما يخدم مصالحها، وبالتالي الذهاب إلى جولة جديدة من المحادثات والأيادي فارغة من أي أوراق تفاوضية هو تسليم واستسلام لسوريا وحلفائها، ولذلك لا بد من البحث عن مدخل جديد يسمح بالانعطافة، فكان موضوع المساعدات الإنسانية هو المدخل الملائم، للدس والتحريض والتشويه ومحاولة توظيفه لضخ أكبر قدر من الضغوط على الحكومة السورية وحلفائها.
لقد بدت الحماسة الأميركية ـ الغربية في أقذر أوجهها بالتنصل من المسؤولية الكاملة ورمي الحكومة السورية بها، وهو تنصل في حقيقته لا يخرج عن السياق الأميركي الداعم للتنظيمات الإرهابية، وذلك بمحاولة تغطية هذا الدور في إلحاق الكوارث والمآسي بالشعب السوري بقيام هذه التنظيمات الإرهابية بنكب السوريين باستخدام أبشع أساليب الإرهاب المتراوحة بين القتل والتشريد والحصار ونهب ما بقي في بيوت المدنيين السوريين، فضلًا عن المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الولايات المتحدة والدول الغربية ومن معها المتآمرة والمتكالبة على سوريا بفرضها عقوبات اقتصادية ظالمة وجائرة على الشعب السوري، فكم هو مؤسف ومخزٍ أن تحاول التمظهر وذرف دموع التماسيح على ما لحق بالشعب السوري جراء سياساتها الآثمة وأدوارها المخالفة للقانون الدولي وللشرائع السماوية، في حين تواصل مد تنظيماتها الإرهابية بالمال والسلاح.
كما تبدو ازدواجية المعايير التي تتبعها الولايات المتحدة ومن معها في أقذر أوجهها وأبشع صورها، حين تصطنع مواقف حريصة على حياة المحاصرين في الوقت الذي تعمل فيه على إلقاء الأسلحة والذخائر للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها ما يسمى "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وتمكينها من أن تصب نيران إرهابها وحقدها الأسود بالمدنيين الآمنين الوادعين في بيوتهم في مدينة حلب، حيث تنهال التنظيمات الإرهابية المصنفة أميركيًّا بـ"المعتدلة" وبقيادة ما يسمى "جبهة النصرة" بالقصف الإرهابي العشوائي على الأحياء السكنية في بلدة حندرات وحي الشيخ مقصود في حلب، ما أدى إلى مقتل طفل وإصابة 8 مدنيين وإلحاق أضرار بخمسة مساكن، في حين قتل أكثر من 50 مدنيًّا خلال الساعات الـ24 الأخيرة، جراء قصف تلك التنظيمات الإرهابية لبلدات ريف حلب وأحياء المدينة.
إنها ازدواجية لا تكشف فقط العار الذي سيلاحق سياسات الدول المتآمرة على سوريا بقيادة الولايات المتحدة، وإنما تبين منسوب النفاق الذي ترتع فيه، لتؤكد أن الحياة الإنسانية وحقوق البشر لا قيمة لها في أعراف هذه السياسات خاصة حين يتعلق الأمر بأهداف وأجندة استعمارية، بل إن الحياة الإنسانية وحقوق الإنسان هي إحدى الذرائع التي توظف في إنجاز الأهداف والأجندة الاستعمارية، والمنطقة تكتنز بالعديد من الشواهد والأدلة، وفي مقدمتها ما يحصل اليوم ضد سوريا.
ولذلك ليس مستغربًا أن يعلن ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا عن عدم انعقاد جلسة رسمية ثالثة من محادثات جنيف، فمعشر المتآمرين على سوريا لا يزال في جعبتهم الكثير من الشرور والآثام والجرائم لتفريغها على أرض سوريا وشعبها.