إعداد ـ علي بن عوض الشيباني:
أيها الصائمون والصائمات: قال الله تعالى:)يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون( (البقرة ـ 183).
أيام قلائل إذا قيست بالعام كله .. فرض الله تعالى صيامها وجعل صيامها سبباً إلى التقوى.
فما الصوم؟ وما فضائل رمضان؟ ولماذا الصوم؟ وكيف تقضى أيام رمضان؟ وما موقف المسلم منه؟
أما الصوم: فهو الإمساك، قال تعالى:(إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسياً) (مريم ـ 26)، والمراد به الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية .
والصيام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب قوله تعالى:(كتب عليكم الصيام) أي: فرض عليكم، أما السنة فقوله:(بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيل)، والإجماع منعقد على ذلك من لدن رسول الله إلى قيام الساعة ومنكره كافر، يقول الذهبي:(الذي يفطر في رمضان من غير عذر شر من الزاني ومدمن الخمر، بل ويشك في إسلامه).
والصيام قديم قدم البشرية على الأرض، كما قال تعالى:(كما كتب على الذين من قبلكم ..)، قال قتادة: كان الصيام زمن نوح ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخه الله بشهر رمضان، وأخبر القرآن أن موسى (عليه السلام) صام أربعين يوماً استعداداً للقائه بربه سبحانه قال تعالى:(وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) (الأعراف ـ 143)، وفي الإنجيل أن عيسى صام أربعين يوماً، وداود (عليه السلام) كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، أما أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد خصها الله بشهر رمضان.
وأما ما هي فضائل رمضان، ففيه ليلة القدر: وهي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن وهي ليلة خير من ألف شهر قال تعالى:(إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر 1 – 3)، وذكر النبي رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله:(ليلة القدر خير من ألف شهر)، (التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر) وألف شهر تعدل ثلاثة وثمانين سنة يختزلها الله تعالى لأمة محمد في ليلة واحدة، فأي عطاء وكرم منه سبحانه.
ومضاعفة الحسنات، للحديث:(من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه).
الأجر عظيم، للحديث: يقول الله عز وجل:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
قال الخطابي:(سبب إضافة الصيام إلى الله تعالى (قيل) إضافة تشريف كقوله تعالى (ناقة الله) مع أن العالم كله لله تعالى:(وفيه بيان عظيم فضل الصوم والحث عليه وقوله:(وأنا أجزي به) بيان عظم فضله وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء).
دعاء مستجاب: للحديث:(ثلاثة لا ترد دعوته: الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، وللحديث:(إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد).
وعد بالفرح في الآخرة، للحديث:(للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه).
باب في الجنة خاص بالصائمين: للحديث:(إن في الجنة بابا يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).
قال الشرقاوي: الريان نقيض العطشان مشتق من الري مناسب لحال الصائمين للحديث:(من دخل شرب، ومن شرب لا يظمأ أبدا).
تنشط فيه بواعث الخير، للحديث:(إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، (وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر).
مكفر للخطايا والذنوب، للحديث:(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
وللحديث:(من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وأما لماذا الصوم؟
فتلك شبهة يثيرها ضعاف القلوب والعقول يقولون: لماذا الصوم؟ ولماذا نعذب الجسد بالجوع؟ حتى قال أحدهم:إن الصوم يعطل اقتصاد البلاد: ونقول لهؤلاء ابتداء:الصوم عبادة وطاعة، أمرنا الخالق سبحانه بها، فالله ربنا ونحن عبيده وكفى بالله حكيما فيما شرع وقضى، وإن من الأحكام ما أبان رب العزة عن حكمة تشريعه كتحريم الخمر والميسر قال تعالى:(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة ـ 91)، وهناك أحكام لا تظهر حكمة التشريع إلا مع تقدم العلوم كتحريم لحم الخنزير حيث علمنا قبل قرن فقط أن في الخنزير الدودة الشريطية، والبيوض المتكيسة مع الأثر لآكله من فقدانه الغيرة كحال الخنزير، وأحكام يجتهد العبد في الاستنباط والبحث عن حكمة التشريع فإن أدرك شيئا فلله الحمد والمنة وإلا فكفى بالله حكيماً فيما حكم كعدد ركعات الصلاة في كل وقت، أو الطواف سبعاً، أو مواضع الإسرار والجهر في الصلاة وهكذا، ثم نقول لهم: إن في واقعنا أنواعاً من الصيام تافهة في مضمونها إذا قيست بأهداف الصيام في إسلامنا، ومع هذا نجد من يحترمها ويقرها مثال ذلك الصيام السياسي: وهو أن يمتنع أصحاب حق عن الطعام حتى تبلغ أصواتهم أسماع الآخرين، فينظروا في قضيتهم، وهناك الصيام الجمالي وهو أن يمتنع الرجل أو المرأة عن الطعام حتى يزيل تلك الترهلات التي تشوه منظره وقد يكون قاسيا وهو ما يعرف بـ (الريجيم) وهناك الصيام الصحي وهو أن ينصح الطبيب المريض بأن يحترز في طعامه، وأن يصوم أياما حتى تستريح أجهزة الجسم من الإجهاد والعنت وتسترد عافيتها بعد طول عمل، ويلبي المريض نداء الطبيب حرصا على صحته، ويلبي طالب الجمال نداء الجسد لينال الرشاقة، ويلبي صاحب الحق الذي يعتقده نداء الواجب، أليس رب العزة الذي يدعونا إلى الصيام أولى بالإجابة من كل أحد؟ اللهم نعم، اللهم لبيك، اللهم سمعا وطاعة لك.