[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” .. لا يمكن بحال من الأحوال تحقيق الاستقرار والطمأنينة للدول والشعوب سواء كان ذلك على صعيد أمنها الداخلي أو كان ذلك على صعيد أمنها الخارجي في حال أخفقت في تحقيق أمنها السياسي بجميع أبعاده, وخصوصا الجانب الإنساني منه, لأن الأمن السياسي يقوم في أصله ونشأته على أمن الإنسان واستقراره وطمأنينته, ما ينعكس إيجابا على أمن وطنه وأرضه وأفراد مجتمعه,”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد الأمن السياسي واحد من أهم امتدادات منظومة الأمن القومي للدول, كالأمن الاقتصادي والاجتماعي والعسكري وغير ذلك من أشكال الأمن, وهو من ذلك المنظور الشامل يعد مظهر من مظاهر سيادة النظام والقانون من جهة, وهو من جهة أخرى ركيزة للأمن الإنساني والذي يقصد به: ( التحرر من الخوف والحاجة وضمان الحماية والتمكين من حقوق الإنسان , لجميع المواطنين في ذات الوقت دون استثناء او تمييز على اعتبارها منظومة حقوقية متكاملة غير قابلة للتجزئة) وقد أشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية للعام 1994م صراحة إلى مفهوم الأمن السياسي وعرفه على انه: ( الحماية من تهديد القمع السياسي والحماية من التعرض للصراعات والحروب والهجرة).
ولا يمكن بحال من الأحوال تحقيق الاستقرار والطمأنينة للدول والشعوب سواء كان ذلك على صعيد أمنها الداخلي أو كان ذلك على صعيد أمنها الخارجي في حال أخفقت في تحقيق أمنها السياسي بجميع أبعاده, وخصوصا الجانب الإنساني منه, لان الأمن السياسي يقوم في أصله ونشأته على امن الإنسان واستقراره وطمأنينته, ما ينعكس إيجابا على امن وطنه وأرضه وأفراد مجتمعه, لان الإنسان هو جهاز الأمن الوطني الحقيقي, وهو أساس استقرار الأوطان وتنميتها ورخاءها, فإن استقر الإنسان نفسيا وسياسيا واقتصاديا وما إلى ذلك, استقر وطنه وأمن بلده , وإلا فإنه بلا شك , لا استقرار ولا أمن لوطن يعيش فيه الفرد حياة الخوف والظلم والقلق والاضطراب الاجتماعي والغربة الوطنية, وأنه مهما حاول النظام السياسي والأجهزة الأمنية الاعتلاء على الفرد والإنسان في صناعة الأمن, فإنها لا محالة ستفشل بكل تأكيد, لأنها فشلت في توجيه الأمن الوطني والقومي إلى أصله, وهو الإنسان او الفرد في وطنه.
لذا لا يمكن تحقيق الأمن السياسي دون مشاركة المواطن نفسه في صناعة أمنه الوطني, وحاضر ومستقبل وطنه باعتباره مواطن له فيه حقوق وعليه فيه التزامات, من ضمن تلك الحقوق الوطنية ضمان شق الحقوق السياسية في مصطلح المواطنة, استنادا إلى أن الأمن يأتي من المواطنة نفسها كما سبق وأشرنا, وبلا شك فإن هذه الأخيرة تتحقق بمشاركة المواطن بفاعلية وإبداء الرأي في جوانب مختلفة في الحياة الوطنية, لان كل أهداف وغايات السياسات الوطنية كما يفترض تنطلق منه وتنتهي إليه, فالمواطنة لا تقتصر على مجرد الإقدام والمبادرة لتنفيذ السياسات الحكومية عبر أشكال التمكين المتاحة له كالانتخابات والتصويت والترشيح, دون الإلمام بكافة مقتضياتها الحياتية وفهم أبعادها وأهدافها الحقيقية.
لان ( الحق في الأمن السياسي الذي تشكل المواطنة ركيزة أساسية من ركائزه, لا يتحقق إلا إذا تكاملت وتفاعلت كل المواهب والإمكانيات, ليتولد عنها تنوع في الرؤى, والذي يساعد كثيرا أصحاب السلطة على رؤية وتقدير الأمور من زوايا مختلفة ومتنوعة, فتتعدد أحكامهم وتنال عندها كل فئة من المواطنين الذين ساهموا في هذه العملية التقدير والاحترام لآرائهم وأخذها بعين الاعتبار , وبالتالي تعدد البدائل والحلول الحكومية من جهة وتعزيز لثقة المواطنين بأنفسهم وبقدراتهم من جهة أخرى , بهدف الوصول الى الحد الأدنى من الجودة الحياتية الحقيقية , وهذا ما يحتاج الى الرأي والخبرة والعمل الإبداعي والمصداقية والشرعية).
فالأمن السياسي في القرن الحادي والعشرين لم يعد يرتكز على الأفكار التقليدية في صناعة وتحقيق الأمن من خلال الدولة وأجهزتها الأمنية وحدها, أو من خلال احتكار الدولة لوسائل حماية مواطنيها حفاظا على النظام العام والسلامة العامة, حيث أصبحت تحديات الأمن أكثر تعقيدا ( فالدولة لا زالت هي المسؤول الوحيد عن الأمن, إلا أنها كثيرا ما تفشل بالوفاء بالتزاماتها الأمنية, بل وفي أوقات كثيرة تصبح هي مصدر تهديد لمواطنيها, وهو ما قد يستوجب تحويل الاهتمام من أمن الدولة الى امن المواطن, أي ان لا تكون الدولة هي المدلول الوحيد للأمن العام والأمن السياسي).
ومن هنا نلاحظ ان الأمن السياسي يقوم على فكرة الوعي الإنساني, والوعي هو حالة استيقاظ الذهن الإنساني وإدراك المرء لذاته وأحواله المختلفة سواء كانت على الصعيد الشخصي او الوطني إدراكا مباشرا ( وهو محور إدراك مبدأ الشرعية السياسية التي يرتكز عليها النظام السياسي, والذي يرتبط بالسلوك الإنساني ويتخذ منه محورا له) فهو عبارة عن مجموعة من العمليات المرتبطة بالسلطة, الوظيفة, النفوذ والصلاحيات التي تتفاعل وتتشابك في إطار بنائي وتنظيمي معين, يتضمن أنماطا متداخلة متعلقة بحياة المواطن باعتباره كائنا حركيا واعيا قابلا للتغيير والتطور ومدركا لشرعية المطالبة بحقوقه وحرياته), لذا يتم تكوين ذلك الوعي بمختلف أشكاله, ومن ضمنه الوعي بالأمن السياسي في مختلف مراحل العمر التربوي ومن خلالها.
وكلما كان الوعي أكثر نضوجا بالمعرفة والتنمية والثقافة السياسية وثباتا بالمشاركة والإحساس بالكيان الوطني والمواطنة كان ذلك أكثر قابلية للدعم وتوجيه السلوك الرشيد في الاتجاه المرغوب فيه, أما تهميش هذا الجانب فانه بلا شك سيؤدي مع الوقت إلى نوع من الإحساس بالغربة الوطنية والتهميش الوطني, وهما من أشد دوافع اللامبالاة بنواح وطنية مختلفة, كجانب الولاء والانتماء على سبيل المثال لا الحصر, ومن هنا تنطلق دعواتنا الدائمة والمستمرة لضرورة الاهتمام الرسمي بجانب الأمن السياسي, وفي مختلف المراحل العمرية للفرد في المجتمع, خصوصا فترة الشباب منها , وباعتقادي , ان وجود مناهج مدرسية تعزز جانب الأمن السياسي مهم جدا لبناء الفرد في المجتمع في العصر الحديث.
وقد سبق وناقشنا أهمية هذا الجانب في العديد من الأطروحات والمقالات والدراسات السابقة, ومن ضمنها دراسة تحت عنوان: تنمية الوعي السياسي كمشروع وطني مستقبلي , والتربية السياسية والقانونية ودورهما في التنشئة الوطنية, والتي أشرت فيهما الى ان: التنشئة الوطنية السياسية والقانونية لأجيالنا الوطنية العمانية باتت ضرورة ملحة ويجب ان تلتفت وتتنبه الى أهميتها الراهنة والمستقبلية من جهة, ومخاطر افتقادها في مدارسنا على أجيالنا القائمة والقادمة من جهة أخرى الجهات المسؤولة في الدولة, وتعد التنشئة السياسية والقانونية خصوصا جزء لا يتجزأ من بناء وتكوين وتأسيس وعي الفرد الوطني بمختلف أشكاله واتجاهاته الإنسانية والتنموية والحضارية, والذي يبدأ مع المراحل الأولى لحياة الطفل أي منذ ولادته, ليستمر معه عبر المدرسة والجامعة وما بعدهما حتى النهاية.
وتحتل التنشئة السياسية والقانونية بكل أشكالها مكانة مهمة بين أدوات ووظائف المجتمع والنظام السياسي, ومن أهم وأسمى مهمات التنشئة السياسية والقانونية قيامها بدعم الوحدة الوطنية وتلاحم الصف الداخلي, وتربية الناشئة على فهم المحيط السياسي والقانوني بكل محاسنه وسلبياته, وامتلاك الأدوات الأولى المؤسسة لوعي الفرد بالحقوق والواجبات الوطنية من الناحيتين السياسية والقانونية, وتعرف التنشئة السياسية بأنها (عملية تعلُّم القيم والاتجاهات السياسية - والقانونية - والقيم والأنماط الاجتماعية ذات المغزى السياسي- والقانوني- من خلال الأسرة والمدرسة والتفاعل مع الحكومة والمواقف السياسية – والقانونية - المختلفة ).
ختاما نؤكد بان الحق في الأمن السياسي ليس مجرد فكرة فلسفية مجردة من كل عمل قانوني , بل الحق في العمل على تحقيق جانب الأمن السياسي في المنظومة الوطنية للدول يحقق الشرعية الجماهيرية للأنظمة السياسية من جهة , وكذلك يعد ضرورة ملحة لأنه يعتبر من القضايا التي تشغل العالم المتعلقة بحقوق الإنسان , وكذلك ينظر إليه على انه الفاصل والجدار الوطني الذي يحول دون ارتفاع سقف التوترات والاضطرابات والصراعات والنزاعات المشاققات السياسية والثقافية بأشكالها من جهة أخرى , كما انه يسهم في بناء أرضية وطنية ودولية من اجل تحقيق الأمن الإنساني .
ملاحظة :- هذا المقال اقتبس بتصرف من كتاب قادم سيصدر لي بإذن الله تحت عنوان : الأمن السياسي - علم صناعة الإستراتيجية الوطنية - .