[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

لا تصح إدارة مفهوم التنوع الاقتصادي إلا من خلال تأسيس مبادئ للإدارة الرشيدة التي تأخذ بعين الاهتمام وجود منهج بنيوي يستطيع أن يكون وعاءً لهذا التنوع، وبما يجعله امتدادًا لمفهوم إدارة الدولة بكل مفاصلها وليس منفصلًا عنها، الوضع الذي من الطبيعي أن يغذي النشاطات التنموية العامة لخدمة المجتمع ضمن أهدافه المرسومة.
وبقدر ما يحتاج هذا الامتداد من وسائل تنفيذية فإنه يأخذ شكله المتكامل ضمن منظومة البناء اللازم للدولة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية العامة في الإطار الاستثماري وتبادل المنافع.
إن إدارة التنوع الاقتصادي واحد من أصعب المهمات الإدارية على الإطلاق لأن اعتماده على وفق أنجح الصيغ من شأنه يرسم خطًا بيانيًّا متواصلًا للإنتاج وتلبية الحاجات الذاتية، مع هامش من الوفرة التي تحقق الاكتفاء الذاتي والتصدير أيضًا، وإذا أردنا التفصيل في هذا الطرح فيكفي أن نشير إلى أهمية أن يأخذ هذا النوع من الإدارة بعين التوظيف عدم وجود تناقضات بين المنظومات الإنتاجية لأنه التناقض هنا بمعنى التنافر، الأمر الذي قد يتسبب بكساد بمنهج معين خاصة إذا فاض عن الحاجات الذاتية وليس بالمقدور تصديره بالكمية المطلقة الفائضة.
وبالمقابل لا بدّ أيضًا من الحرص على الحيلولة دون حصول ضعف أو تراجع في ميدان معين لأن تراجعا من هذا النوع ينسحب في خلله على النشاطات الاقتصادية الأخرى، وبذلك تكون الحالة السائبة التي أفرزها الضعف مشابهة في صورة الإخلال مع تلك الصورة السالبة التي تسببت بها التناقضات.
وفي سياق ما أشرنا إليه لا تستقيم إدارة التنوع الاقتصادي إذا لم تكن لديها قراءة دقيقة لما يجري حولها على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة لدى الدول التي تمثل ملتقى الخطوط التجارية العالمية، أو الدول التي لا تستطيع الحد من التهريب أو لا تستطيع ضبط أسعار عملاتها.
لقد اقتضت الإدارة الناجحة للتنوع الاقتصادي من الدول التي تتميز بذلك إلى فتح العديد من القنصليات في الدول الأخرى إلى جانب السفارات في أكثر من مدينة تكون مهمتها المتابعة الميدانية لشؤون الاقتصادية والتجارية والخدمية وما تمتلك من فرص استثمار، بل إن هذه التوجهات تستمد نجاحها من وجود هيئات على خبرة في دراسة الجدوى من هذا النشاط أو ذاك وبالنتيجة حتمت استحداث هيئات استشارية تتولى تقديم المشورة لضبط مفاتيح التنوع في إدارة الاقتصادات.
إن النماذج السائدة حاليًّا في العالم لإدارة التنوع الاقتصادي تتباين من دولة إلى أخرى بل ومن كتلة اقتصادية إلى كتلة أخرى سواء أكانت كتلا إقليمية أو دولية، ولكن هناك بعض الدول تحتل الصدارة في إدارة التنوع الاقتصادي وحققت مناسيب متميزة، منها كوريا الجنوبية التي يتسع فيها مفهوم إدارة التنوع بسلطة (إدارية) تتولى التدخل حتى في عملية شراء مكتب لمؤسسة، ولكن ضمن اختصاصات لا يسمح فيها التجاوز من جهات أخرى، وهناك أيضًا عينات لإدارة التنوع الاقتصادي الناجحة كما هو الحال في ماليزيا، وجنوب إفريقيا، والصين، والهند ودول أخرى ولكن بمعدلات متفاوتة، غير أن ما يجمع توجه الدول الناشئة عمومًا هو اعتمادها لصيغ من الإدارة الاقتصادية الناجحة، أما في البلاد العربية فلنا أن نعترف أن إدارة التنوع الاقتصادي ما زالت تراوح في نشاطات لم تكتمل بعد لكي تكون نماذج للاقتداء خاصة بالنسبة لموضوع إدارة التنوع الاقتصادي ضمن مجالات الإقليم العربي، ويمكن قياس ذلك من الحالة السائدة للتكامل الاقتصادي العربي منذ تأسيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 1964 رغم القرارات العديدة التي نصت على تحقيق التكامل.
إن قراءة متأنية لقرار القمة الاقتصادية التي انعقدت في العاصمة الأردنية عمَّان عام 1981 تكشف لنا أن خبراء الاقتصاد العرب نبهوا إلى أهمية استحداث إدارات للتنوع الاقتصادي بين البلدان العربية دون أن تجد هذه الطروحات طريقها إلى التنفيذ.
أما على الصعيد الدولة الواحدة فيكفي أن نشير إلى الضعف المستشري في إدارات التنوع الاقتصادي من خلال عدم الاهتمام بالإصحاح البيئي بوصفه وسيلة ناجحة لتحقيق التكامل في المشروع الاقتصادي الوطني العام.
إننا ما زلنا ننظر (بعين صغيرة) كما يقول المثل العربي إلى الإصحاح البيئي وكيف ينبغي أن تكون له منزلة معروفة في إدارة التنوع الاقتصادي، وهذا أحد المآخذ التي تنتقص من قيمة هذا التنوع.