لقد تقدم بنا الحديث عن اثبات صدور القرآن الكريم من الله تعالى بلحاظ الادلة العقلية، وذلك من خلال بعض الشواهد والأدلة العلمية التي سقناها في هذا السياق، وهناك ايضا ادلة وشواهد كثيرة جداً لا يسعنا ذكرها، نظراً الى كون بحث هذه الحلقات ليس حول اثبات الصدور وادلته وشواهد، فان الغرض الذي جعلنا نسوق مجموعة من الادلة والشواهد هو للتأكيد ان القرآن الكريم ليس الا من لدن الباري سبحانه، وانه سبحانه وتعالى انزله على نبيه الاكرم، وهو من اخبرنا به.
واهمية هذا الامر تكمن فيما سيكون فيها من النصوص والدلالات والمفاهيم والتعليمات والارشادات، فان التعامل مع النصوص القرانية لما ان اعلم انها من الله تعالى سيكون مختلفا تماما لما لو كان من البشر.
ففي حال كونه من الباري سبحانه وتعالى فإنني سأنظر اليه من ذهنية تحاول اللحاق بقدراته، وتقدر محدودية افكارها لتقديرها لما في النصوص من مفاهيم والفاظ وتعليمات واحكام لا متناهية العطاء سواء في الساحة العلمية الفكرية، او في الساحة السلوكية التطبيقية.
والان سنكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة، حيث الكلام عن اثبات الصدور من خلال النص القراني، فسنتناول بعض ما جاء في النصوص الشريفة حول اثبات أن القرآن الكريم هو من عند الله تعالى، وليس هو من صناعة بشرية.
اننا لو رجعنا الى القرآن الكريم فسنجده يؤكد على ان القرآن الكريم هو من عند الله تعالى، ولقد ساق القرآن الكريم مجموعة من الادلة لاثبات هذه الحقيقة، فمنها ما هو ضمن الدليل العقلي والعلمي والادبي وغيره من الادلة الحسية أو ما تكون اقرب الى الدليل الحسي، ومنها ما هو بمستوى التحدي الاكيد، وهي الطريق رغم كونه غير حسي ، الا انه طريق اليه، فهو نفسي وعقلي بالدرجة الاولى، الا انه يقود الى ساحة اللقاء بين الطرفين المتنازعين، فاما هذا على صواب واما ذاك، فان الفطرة واحكامها تأبى القبول باجتماع النقيضين، فان هذا من المستحيلات الذاتية التي لا يمكن حدوثه ابداً، من قبيل القول انت موجود وانت غير موجود، فهذا الامر غير ممكن بل مستيحل ذاتاً، لذا ان القول ان القران من الله تعالى، والقول انه من ليس من الله تعالى لامر كالمستحيل الذاتي، لذا نجد القرآن الكريم وضع نفسه في موضع التحدي الاكيد لمن ينكر هذه الحقيقة، بل ويطالبه بالنزول الى ساحة التحدي لمواجهة الحقيقة بالبرهان العقلي الساطع.
فهذا ما نلحظه في القرآن الكريم وفي آياته الكثيرة، والتي منها، قوله تعالى:(وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (الأنعام ـ 91)، (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (الأنعام ـ 92).

هلال اللواتي