للبيت وللأسرة مكانة عظيمة في قلب كل مسلم ومسلمة: ومهما سافر الإنسان في الشرق أو الغرب فتجده دائما يحن إلى موطنه الأول، ومن هنا كان الحرص دائماً كي نربّي في أطفالنا حب البيت, وحب الوالدين, وحب الوطن. ومن هنا نوجه الوصية للآباء بأن يحسنوا معاملة أطفالهم في كل جانب من جوانب الحياة. فإذا كان الطفل جسداً وروحاً وعقلا ومزاجاً وسلوكاً: فلابد للوالي والمربي الناجح أن يعطي كل هذه الجوانب حقها .فلا يهتم بجانب على حساب الجوانب الأخرى.
والإسلام هو دين الوسطية والتوازن ويدعو إلى علوّ الهمّة لنيل سعادة الدنيا وشرف الآخرة . والدين الإسلامي يستجيب لسائر الاهتمامات المشروعة ويلبي مطالب الجسد والروح معا,فهو دعوة الحياة الطيبة قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (الأنفال ـ 23)، وهذا ما ينبغي أن نربّي عليه أبنائنا ونأخذهم به أخذا حتى لا يصابوا بالعقد النفسية ونذكر هنا قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن هذا الدين متين, فأوغل فيه برفق, فإن المنبت لا أرضاص قطع ولا ظهراً أبقى) يجب معاملة الأطفال بالرحمة والعطف. نعم: لأن الطفل في أول نشأته ينشأ ضعيفا فهو أحوج ما يكون إلى العطف والرحمة. ويخطئ الكبار عندما يظنون أن مداعبة الأطفال والنزول إلى مستوياتهم ومشاركتهم اهتماماتهم يُذهب الهيبة أو يخدش الوقار، فلنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، ولقد كان (صلى الله عليه وسلم) يلاطف أطفال الصحابة ويسلّم عليهم ويرحمهم , وهو سيد الرحماء.
ويجب علينا التحذير من التفريق بين الأولاد: نعم أخي المسلم: هذه نقطة مهمة يجب علينا أن نوصي بها كل رب أسرة وكل والد وكل أم , فالعدل مطلوب بين الذكر والأنثى في داخل البيت وهذا ما أوصى به ربّ العالمين. فمن أهم ما ينبغي أن نُحذّر منه الآباء والأمهات : التفريق بين الذكر والأنثى أو بين طفل وآخر. فإن الأطفال شديدو الحساسية مرهفو المشاعر تجاه معاملة أبويهم ومواقفهم منهم ,فلا بد للآباء والأمهات أن يراعوا شعور هؤلاء الأبناء مهما كانوا صغاراً فإن فطرة الطفل وعينه البريئة تلتقط كل الصور وتعي كل النظرات والتصرفات من حوله: فضلاً عن أن مثل هذا التفضيل قد يؤدي إلى تقطيع الأرحام وإيقاع الشحناء بين الأولاد ولذلك يدعونا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى عدم التفريق بين الذكر والأنثى وبين ولد وآخر في النظرة أو القبلة أو العطية.
أخي المسلم: ليعلم كل أب وتعلم كل أم: أن إشعار الأنثى أنها في مرتبة أدني من أخيها الذكر يجني على أجمل معاني البراءة في نفوس الأطفال ويردّنا إلى عصر الجاهلية الأولى ويأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعدل بين الأولاد حتى في القبلة قال:(إن الله يأمركم أن تعدلوا بين أولادكم ولو في القبل وقال أيضا ساووا بين أولادكم في العطية ولو كنتُ مُفضّلا لفضّلت النساء) فمن مما سبق يتبين لنا أهمية العدل بين الأولاد منذ الصغر ومن أهم الأمور التي تنفع الطفل منذ نشأته الأولى هي : حثهم على العبادة وتعاهدهم بالموعظة الحسنة: نعم هذا من أهم الواجبات على الوالدين أن يغرسا في قلب أطفالهما محبة الله ومحبة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ويشعرون الطفل بأن كل نعمة وخير ولذة يصيبها هي فيض من فيض الله تعالى وأثرُ من محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وأعظم العلوم التي يجب على الآباء أن يعلموها للطفل هو تعليم القرآن الكريم: فهو خير ميراث نورّثه لأطفالنا وينشأ عن تعليم كتاب الله تعالى حسن الخلق وهذا أيضا من أعظم الأشياء التي يجب على الطفل أن يتربى عليها وهنا يظهر دور الآباء في التربية السليمة وكذلك على الآباء أن يتعاهدوا أبنائهم بالموعظة الحسنة بين فترة وأخرى ولقد علّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن عباس وهو طفل صغير علمّه أدبا رفيعا ليتنا نُعلمه لأولادنا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:(يا غلام: إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ,احفظ الله تجده تجاهك ,إذا سألت فاسأل الله ,وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف).
ومن الواجب على الآباء تجاه أبنائهم: أن يعلموهم الصلاة من الصغر ويدرّبوهم عليها ويصبروا عليهم في ذلك كما قال تعالى:(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)، ولقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا ينهم في المضاجع. كما ينبغي على الوالدين أن يمنعا ابنهما من مصاحبة رفقاء السوء ويغرسان في قلبه حب الجلوس مع الصالحين وعند ذلك يسهل عليه العمل النافع فالصبي يتأثر بصديقه الصبي صلاحا وفساداً وقد جاء في الحديث الشريف:(المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل).
واعلم أخي المسلم أن الفترة التي قبل البلوغ هي فترة طفولة فيها تخفيف من الله تعالى عليهم ولكن على الآباء أن يمهدوا لهم الطريق إلي الجنة , وأعمال الطفل من الطاعات التي تكون قبل البلوغ ستكون في صحائف والديه المسلمين ومهما أحسن الوالدين في تربية أبنائهم فلن يحرمهم الله تعالى من فضله سبحانه وتعالى في الآخرة .وكذلك عليهم أن يعلموا أولادهم أدب الاسئذان, ويربّوا الأطفال على هذا الأدب الإسلامي من الصغر وخاصة إذا كانت البيوت ليس لها أبوب قال تعالى (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله آياته والله عليم حكيم) (النور ـ 59)، فعلينا أن نهتم بالنشأة الأولي وهذه تذكرة لنا جميعاً، قال تعالى:(وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

إبراهيم السيد العربي
إمام وخطيب جامع الشريشة ـ سوق مطرح