(10)
أيها الصائمون والصائمات: إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان قليل الصبر، سريع الغضب، أن يتعلم منه الصبر والأناة . فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش والتعب والنصب ساعات طويلة ، ألا يمكنك - أيضاً - أن تعود نفسك من خلال شهر الصبر .. الصبر على الناس وتصرفاتهم وأخلاقهم ، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء، وليكن شعـــارك الدائم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران ـ 134)، وقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضـَبِ)، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء) ـ رواه الترمذي .
فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا، والحلم والأناة دثارنا.
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله تعالى بقلب قاسٍ كالصـخر الراسي، لا تدمع له عين أن ينتهز فرصة هذا الشهر الذي تكون للنفوس فيه صولة .. وللقلوب فيه جولة .. فيحرص على ترقيق قلبه ، بصرفه عن الذنوب التي هي جالبة الخطوب، وحاجبة القلوب عن علام الغيوب . قال ـ عليه الصلاة والسلام:(تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًاً وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) ـ رواه مسلم .
ومن أراد السعادة فليلزم عتبة العبادة، وليجتنب الإساءة .. يقول عثمان بن عفان:(لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل) و يقول الحسن البصري:(إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد كبلتك الخطايا والذنوب) وليكن لك ما بين فينة وفينة زيارة للمقابر، وتتأمل في أحوال أصحابها .. فإن القوم فيها صرعى، والدود في عيونهم يرعى، عن الحديث سكتوا، وعن السلام صمتوا، الظالم بجانب المظلوم، والمنتصر بجانب المهزوم، ذهب الحسن والجمال، والجاه والمال، وبقيت الأعمال .. أموات يتجاورون، ولا يتزاورون .
ماذا أعددت لهذا الموقف؟ يقول الله تعالى:(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون ـ 99).
ورمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام ويتلاعب في البيع والشراء أو بيع المحرمات من دخان ومسكرات ومخدرات وغير ذلك، فإن الله تعالى يحاسب على النقير والقطـمير . فحـذار يرحمك الله أن تزل قـدم بعد ثبوتها! يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار أولى به) ـ رواه ابن حبان وصححه.
وهل يسرك أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم يدعون الله تعالى، ويستغيثون به، ويسألونه من فضله ورحمته وجوده وبره ويستجاب لهم .. وأنت ترد عليك دعوتك ؟!! عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رســول الله (صلى الله عليه وسلم):(أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون ـ 51)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) ـ رواه مسلم .
وتذكر أنه لن ينفعك أن الناس فعلوا، أو أنهم يريدون ذلك، فكل واحد منا سيقف بين يدي الواحد القهار، ويسأله عن أعماله وأقواله الصغار، والكبار ..فمن سيقف معك في ذلك الموقف العصيب؟.
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤا فلا تظلموا).
وكن يا رعاك الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر فإن الدال على الخير كفاعله يقول الله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة ـ 2).

ورمضان فرصة للتغيير .. للكُتاب الذين تأثروا بعدوهم .. إننا نقول لهم: إن رمضان فرصة لهم للتغيير، فالكلمة أمانة، إنها مسؤولية، نعم لمسؤولية الكلمة، لا لحرية الكلمة المتجردة من تعاليم ديننا . وخليق بأدبائنا وشعرائنا أن يتفق أدبهم مع أدب دينهم ، وحري بالصحافة المسلمة أن تربأ بما ينشر على صفحاتها عما يتنافى مع عقيدتنا الإسلامية وتراثنا . قال تعالى:(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) (الإسراء ـ 36).
ثم أيها الكاتب الموفق: ألم تقرأ ما سطره يهود في بروتوكولاتهم:(الأدب والصحافة هما أعظم قوتين تعليميتين خطرتين، ولهذا السبب ستشتري حكومتنا العدد الأكبر من الدوريات ..) وهل تتصور أن شراءهم لها من أجل الإصلاح؟ أم من أجل إقامة العدل؟ أم من أجل الدفاع عن حقوق المضطهدين؟ كلا، بل من أجل الإفساد، ونشر الرذيلة بين الأمم كلها وخاصة أهل الإسلام لأنهم ألد الخصام لهم، فهل ترضى لنفسك أن تكون عوناً لهؤلاء على أمتك؟ هل ترضى أن تكون أداة إفساد في الأمة ـ من حيث تشعر أولا تشعر ـ هل ترضى أن تنشر في الأمة ما يؤثر على دينها وسلوكها؟ قل لي بربك كيف تستسيغ أن تكتب بقلمك السيال ما يغضب ربك؟ كيف تتجرأ أن تكتب بقلمك الرفيع ما يدعو إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا؟ أو أن تضللهم أو تزيف الحقائق عليهم؟ لقد وهبك الله تلك الموهبة ، وأسبغ عليك هذه النعمة فحري بك أن تستعملها في طاعة مولاك، حري بك يا من آمنت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً أن تسخر قلمك للصدع بكلمة الحق، والمجاهرة بالفضيلة، والدعوة إلى العفة والكرامة، حري بك أن تكون منافحاً عما يُراد بأمتك، حري بك أن تكون مكافحاً عما يخطط لأمتك .

وأخيرا أودعك وكلي رجاء أن تجد هذه الكلمات صداها في قلبك، وأن تلامس هذه النداءات شغاف نفسك، وأن نلتقي سوياً على خدمة هذا الدين حتى نلقى الله سبحانه ونحن على ذلك .. وليكن شهر رمضان شهراً لمراجعة النفس والمنهج والفكر فمردة الشياطين تصفد، وادع الله تعالى من قلب خاشع أن يريك الحق حقاً، ويرزقك اتباعه، والباطل باطلاً، ويرزقك اجتنابه وإن كنت تعلم الحق ولكن حب المال، والجاه والشهرة، والمنصب غلب عليك فإني أقول لك ستعرف غداً عاقبة أمرك وشؤم فعلك على نفسك.!
ورمضان فرصة للتغيير .. للدعاة الذين فترة همتهم ، وضعفت غيرتهم، وتوانت عزائمهم، فيشدوا من حالهم، ويستيقظوا من رقدتهم، ويتنبهوا من غفلتهم، وينتهزوا فرصتهم، بدعوة الناس إلى ربهم، والذهاب إلى أماكن تواجدهم وتجمعهم لتذكيرهم بالله تعالى، وتخويفهم من ناره وجحيمه، وترغيبهم بجنته ونعيمه، والتفكير الجاد لمعرفة الأساليب المناسبة للإصلاح، وليتذكر الدعاة إلى الله فضل الدعوة إلى الله، والسهر من أجلها، والتفاني لها، وجزاء من تاب على أيديهم ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ـ رواه البخاري .
ليكن رمضان محطة روحية تبعث فينا روح الجدية .. فيعد الداعية عدته، ويأخذ أهبته، ويملك عليه الفكر فيما هو فيه نواصي نفسه وجوانب قلبه ..فيكون دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعـداد أبداً، إن دعي أجـاب، أو نودي لبى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه، وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له!.

إعداد ـ علي بن عوض الشيباني.